كوبنهاغن | إذا كان من قاسم مشترك بين أدونيس وإبراهيم الكوني في الفترة الأخيرة، فهو علامات الاستفهام المثارة حول موقف كل منهما من الثورة العربية. وها هو «مهرجان لويزيانا للأدب» يجمعهما أخيراً، قرب العاصمة الدنماركيّة، لمواجهة الانتقادات، والخوض في القضايا الإشكاليّة، وتوضيح بعض المسائل العالقة. الشاعر السوري والروائي الليبي كانا من ضيوف المهرجان الذي يقيمه متحف لويزيانا الدنماركي (شمال كوبنهاغن) في دورته هذا العام، ضمن قائمة من 40 كاتباً عالمياً. على مدى ثلاثة أيام، كان الجمهور على موعد مع أدونيس وإبراهيم الكوني. في اليوم الأول، التقى الجمهور «مهيار»، فيما التقى الكوني في اليوم الثاني. أما اليوم الثالث، فخُصِّص لندوة جمعت الاثنين وتميّزت بحضور كثيف.في اللقاء الأول مع أدونيس، افتتح صاحب «مفرد بصيغة الجمع» أمسيته بشرح كيفية قراءة كتابه «الكتاب» الذي ترجم جزؤه الأول أخيراً إلى الدنماركية. وعن رأيه في ما يجري في المنطقة العربية، أجاب إنّ «أوروبا تخلّصت من حروبها منذ زمن. أما نحن، فما زلنا نخوض صراعات لا ولن تنتهي». بعد الأمسية التي تحدث فيها أدونيس عن السياسة والغرب، أكثر مما تحدث عن كونه شاعراً، تلمس الحضور في اليوم الثاني همّاً أدبياً ذا بعد فلسفي مع أمسية إبراهيم الكوني. تحدث الكاتب الليبي عن ضرورة إغناء الرواية برموز فلسفية من عمق واقع الكاتب. في اليوم الثالث، التقى الكوني وأدونيس الجمهور الذي اغتنم الفرصة ليسألهما عن صرخات التغيير في بلديهما. ورداً على سؤال إحدى الحاضرات الإيطاليات عن التطورات التي يشهدها الشارع السوري، والقمع الحاصل من طرف السلطة، قال أدونيس: «نظام حزب البعث في دمشق أكثر سوءاً من نظام برلسكوني في إيطاليا أو يماثله. أنا تركت سوريا منذ 1956... على مدى 55 عاماً، وأنا في صراع مع هذا النظام... لكن هذا لا يعني أنني مع أسلوب المعارضة الآن في سوريا. أرى أن تغيير النظام ـــــ وهو ضروري ـــــ يجب أن يكون جزءاً أساسياً من تغيير المجتمع ككل. إذا اكتفينا بتغيير السلطة، وهو ما فعلناه تاريخياً حسب قراءة تاريخ المنطقة، فنحن ربما نغير أشخاصاً بشعين بآخرين أقل بشاعة. لذا فكل عمل يهدف إلى تغيير سلطة، يجب أن يهدف إلى تغيير المجتمع، وإلا فسننتقل من نير إلى نير آخر، وخصوصاً في سوريا والبلدان العربية... والملاحظ أن المعارضة لا تتحدث عن تغيير المجتمع، لا تتحدث عن فصل الدين عن الدولة، ولا عن حقوق المرأة. ماذا تريد المعارضة بالتحديد؟ هذا ما لا نعرفه حتى الآن». ثم تطرّق إلى اهتمام الغرب بالثورات العربية ومناداته «الحماسية» باحترام قوانين حقوق الإنسان، فقال مندهشاً: «لم أتلمس هذه الحماسة الغربية لحقوق الإنسان في ما يخص الشعب الفلسطيني، الذي يُقتل ويُشرد وينفى منذ أكثر من 60 سنة. أتمنى أن يثور الشعب العربي ويطلب التغيير، لكن أن يأتي الحلف الأطلسي لتغيير الأنظمة في سوريا أو ليبيا أو سواهما، فذلك أمر آخر. أنا ضد هذا التدخل».
وهنا تدخّل إبراهيم الكوني فقال: «الحقيقة أنّ الثورة الليبية عفوية، خرج بها الناس للمطالبة بحقوقهم، فما كان من نظام القذافي إلا أن فتح النار وقتل الناس. كل ما فعلته المعارضة هو محاولات لدرء الموت، وهذا ما سعت إليه جامعة الدول العربية وفرنسا وحلف الناتو. ليبيا دولة مهمة جداً للعالم، وتحديداً لأوروبا. ورغم موقعها ضمن القارة الأفريقية والمنطقة العربية، هي أيضاً الواجهة لأوروبا. ولأدونيس الحق في انتقاد التدخل الأجنبي لأن الوضع في بلده يختلف عن ليبيا».
ويمكن القول إن أدونيس والكوني تركا الجمهور المتنوّع على نهمه، ليس فقط بسبب الحاجة إلى سماع مواقف صريحة منهما مما يجري في بلديهما، بل أيضاً إلى إدانة القمع بوضوح: نقد السلطة القائمة في سوريا بالنسبة إلى أدونيس... ونقد الوصاية الأطلسيّة التي ستصادر ليبيا من أهلها بأشكال مختلفة، بالنسبة إلى الكوني. هذا الأخير تجاوز بسرعة، ومن دون جردة حساب، الصداقة الشخصيّة التي كانت تربطه بالعقيد معمّر القذّافي.