في «مقامات بيت الرقص»، قدّم علي شحرور (1989) عرضه «على الشفاه، ثلج» من تصميمه وأدائه بالاشتراك مع إميلي توماس. على صوت أم كلثوم في العزاء، ونصوص مقدّسة، تقدّم علي بتمهّل بجسده المنطوي على ذاته أكثر فأكثر. لقد مضى فترة على وجوده في تلك الغرفة مع امرأة، أو مع غرض. لم يعد ينظر الى الخارج. وفي المشاهدين، أصبح يرى ضيوفاً ثقيلين اقتحموا مساحته. أما هي، إميلي، فتحاول أن تلامس أي دخيل، مقاومة محاولات منعه لها.
يلتحمان ويفترقان، يتصارعان ويتّحدان. ينفخ في أحشائها هواءً ليعيد سلبها إياه. ثم يسحب خصل شعرها ليرميها أرضاً واحدة تلو الأخرى. تهرب منه في الفضاء المحصور، وتلتجئ إلى بعض الزوار، لكنه يتمسك بها. على الكرسي، يجلسان معاً، وبأيد أربع تتزين زينة العزاء، إذ اختار الموت خنقاً داخل غرفة غاز. لم يسألها، لكنها تعلم أنها لن تموت، بل إنّ غداً سوف يكون كاليوم وكالأمس. قد لا تكون هذه القراءة متحدة مع المؤلف، لكن في عرض علي شحرور، نجد هذه الأبعاد والتأويلات وأموراً كثيرة أيضاً.
اختار علي التوجه المعروف في الرقص/ المسرح ضمن الرقص المعاصر، ونستطيع أن نرى جلياً عند الكوريغراف الشاب، نظرة ثاقبةً في استعمال المساحة، وتوزيع الفعل على الخشبة، كما يتميز «على الشفاه، ثلج» بتماسك الإيقاع، وحسن توزيع نبض الحركة ودفقها. مما أسهم في جذب المشاهدين طوال ساعة العرض. ويظهر تأثر علي جلياً ببعض الكوريغراف العالميين أمثال بينا باوش، وأكرم خان، وسيدي العربي الشرقاوي، وخصوصاً لناحية الاشتغال على مشاهد مسافات الاحتكاك بين الراقصين، إلّا أن هذه المراجع ذات خصوصية ترتبط بتطوّر محدّد في الثقافة الأوروبية، لا يشاركها إياه مجتمعنا. البحث في طبيعة احتكاك المجتمع الشرقي في ما بينه مثلاً قد يكون أكثر إثارة للفنان وللجمهور.
أما الراقصان، فكانا مواكبين بعضهما لبعض تقنياً وحضوراً، ما حافظ على مستوى جيد في العرض الذي خلا من لحظات تشتت أو ضعف. ورغم أنّ الخيار الموسيقي في العمل، كان متجانساً مع حالة العزاء التي تعيشها الشخصيات، إلا أنّه لا بد من التوقف عند الاستخفاف في مقاربة المواد المستعملة، إذ إن علاقة الرقص بالأناشيد والترانيم الدينية المشرقية تحمل في طياتها أكثر بكثير من حالة العزاء، نظراً إلى التابوهات المحيطة بها، وعلاقة الرقص بالأديان منذ الأزل. ولعلّ هذه العلاقة بجدليتها قد تكون مشروع بحث مستقبلياً للكوريغراف الشاب، علماً بأنّ علي شحرور تخرّج حديثاً من كلية المسرح في معهد الفنون، واستطاع في فترة قصيرة أن يفرض حضوره كراقص وكوريغراف يبشّر بمستقبل واعد.



«على الشفاه، ثلج»: 9 أيلول (سبتمبر)، ثمّ 7 و15 و22 تشرين الأول (أكتوبر) ـــــ «مقامات بيت الرقص»