«لماذا تُسرف في الشراب؟ تسأله إحدى القنوات البلجيكية التي جاءت لوس أنجليس في الثمانينيات لإعداد بورتريه عن تشارلز بوكوفسكي. ينظر إلى الكاميرا وقنينة البيرة في يده: «أزهار الحديقة كانت من نصيب الجميع. وكان قدري الأعشاب الضارة» (يقصد النساء)، قبل أن يردف: «أشرب لأتحملهن». قد يبدو صاحب «الحب كلب من الجحيم» كارهاً كبيراً للنساء، لكنّها كذبة أخرى من أكاذيبه الشعرية. لقد كان عاشقاً كبيراً قدره أن يكتب عن الحبّ كأي خاسر كبير في حروبه. الدليل؟ خلال لقاء في إحدى جامعات كاليفورنيا، التقى مطولاً شعراء آخرين واطلع على أعمالهم لينتهي إلى «أنّني لا أرى حولي كُتّاباً لأنكم يا أصدقائي، لا تعرفون ما هو الحب». خبِرهن جميعهن. المومس، والطالبة، وامرأة الأعمال، الفنانة والشاعرة والسوقية. البدينة والنحيفة والعذراء والقديسة والداعرة. كتب عنهن أيضاً بأحشائه، وأبكينه. كان يؤلّه هذه المخلوقات ويحتقرها. يتعامل ببرودة وربما بكراهية للنساء حين تخبره حبيبته النحاتة ليندا كينغب أنّها أجهضت. ولا يجد سوى إجابتها بأنّه دعا باميلا إلى بيته من أجل ممارسة الحب وشرب الشمبانيا.
لكن ها هو يبكي كطفل صغير بعد وفاة حبيبته الأولى جين كوني. وتغزو رأسه الأفكار الانتحارية. يكتب عنها بألف طريقة. يسمّيها بيتي في رواية «مكتب البريد»، لورا في «فاكتوتوم». التقاها عام 1948. كان يبلغ 28 عاماً وهي 38. كان قد أصبح مدمن كحول، وهي كذلك. عاشا معاً حياة التشرد والإدمان. وحين توفيت، كاد يجن. كتب الكثير من القصائد عنها. وبعد عقود، ظلّ يتحدث عنها بالألم ذاته، وخصوصاً في الشريط الوثائقي «شرائط بوكوفسكي» (1987).
لنعد إلى باميلا. كانت صهباء وكانت بعدم اكتراثها بأدبه وإدمانها المخدرات عاصفة أخرى في حياته. عشق شعرها الأحمر الناري الذي ألهمه بعض النصوص. راقصة التعري كانت جافة معه. لم تظهر له مشاعرها، وكان هذا يغضبه. في أحد غياباتها المتكررة عنه، كتب قصيدة شبّه فيها نفسه بالجيوش النازية التي كانت قريبة من النصر قبل أن تُهزم. وحين رحلت، قال إنّ عليه أن يدخل الحداد.
مع جين، خبر التشرد والضياع. مع ليندا كينغ حاصرته بدايات الشهرة. كانت علاقة متوترة ومجنونة.
أما ليندا لي (تصغره بـ25 عاماً)، فقد غيّرت حياته. التقاها عام 1976، وهو في منتصف الخمسين. علم أنها ستغير الكثير في حياته العاصفة، وانطلق في حمى كتابة «نساء». في هذه الرواية، يحضرن كلهن. طيبات وغاضبات. يضعنه في مواقف حرجة وينقذنه في أخرى. كن ملائكته في مدينة الملائكة لوس أنجليس... وكن جحيمه أيضاً!