لم يقدّم السينمائي الفلسطيني توفيق أبو وائل جديداً منذ عمله الروائي الأول «عطش» («أسبوع النقاد» في «كان» ـــ 2004) الذي لفت الأنظار بجودته الفنية العالية. لكنه أثار حينها زوابع من الانتقادات، بسبب خطابه الذي تضمّن مداهنةً واضحة للاحتلال. علماً بأنّ الفيلم كان من إنتاج إسرائيلي كبعض الأعمال الآتية من فلسطين التاريخية.لا شك في أنّ توفيق أبو وائل مخرج موهوب. لفت انتباه النقاد منذ فيلمه القصير الأول الذي تخرّج به من جامعة تل أبيب، واقتبسه من عوالم رائعة محمد شكري «الخبز الحافي». وهو ينادي بحق السينمائي الفلسطيني بأن ينجز أفلاماً حميمة تعبّر عن هموم ذاتية، غير مرتبطة بقضيته الأمّ. وهو هاجس مشروع، لكنّه يأتي مرفقاً بكميّة من الشطط الاستفزازي الذي تتسم به أعماله، ما ينعكس على طريقة تلقّي النقاد والمشاهدين العرب للتجربة عموماً.
المنحى الفرويدي الذي اعتمده في «عطش» لتصوير صراع أجيال في عائلة فلسطينية محاصرة في أم الفحم (مسقط رأسه)، دفعه إلى مداهنة الاحتلال. ووجّه يومذاك سهام النقد إلى المقاومة الفلسطينية، عبر شخصية أب متسلط يدّعي البطولة الزائفة، ما أعطى الانطباع بأنّ الفيلم ينادي الأجيال الفلسطينية الجديدة بالتخلي عن القضية من أجل مشروع «قتل الأب». وها هو يعاود الكرّة في «تناثر»، راصداً الأيام الأخيرة لزوجين فلسطينيين في القدس. وإذا بالمشاهد يكتشف أنّ ما يدفع هذين الزوجين إلى المغادرة ليس الاحتلال الذي يحوّل حياة سكّان المدينة المقدّسة إلى جحيم، بل الشرخ الذي أصاب علاقتهما بعد 20 سنة من الزواج.
لا يقتصر الأمر على الخطاب الملتبس لأفلام توفيق أبو وائل. تصريحاته أيضاً تتسم بالشطط. غداة عرض «عطش» في «كان»، صرّح المخرج بأنه وجد صعوبة في الحصول على تمويل أوروبي؛ «لأنّ المنتجين الأوروبيين توقّعوا فيلماً يظهر الجنود الإسرائيليين وأسيجة الحدود وصور الاحتلال». أما عن التمويل الإسرائيلي لأفلامه، فقال: «ما دامت أفلامي تعبِّر عن رؤيتي الشخصية، فأنا مستعد لقبول التمويل حتى من الشيطان».
هناك منطق سمعناه في الماضي من مبدعين يعيشون ويعملون في فلسطين التاريخيّة. هذا المنطق مفاده أنّ السينمائيين العرب تحت الاحتلال يعدّون بحكم الأمر الواقع من «دافعي الضرائب الإسرائيليين»، وبالتالي يحق لهم الحصول على تمويل المؤسسات الحكومية لأفلامهم على قدم المساواة مع الآخرين في الكيان الغاصب. لكن، يستدرك القائلون بهذا المنطق، شرط ألا يكون ذلك التمويل مقترناً بإملاءات وأجندة سياسية.
قد يكون هذا الكلام قابلاً للنقاش، حتّى حين يصدر عن مبدعين كبار معروفين بنقدهم الجذري للكيان الصهيوني... فكيف بالأحرى عندما يتعلّق الأمر بفنانين يحصلون على التمويل الإسرائيلي، لتصوير أفلام تبيِّض صورة الاحتلال؟