من غير الدقيق الكتابة عن فرد، حين تقف الجماعة في مواجهة التاريخ. من غير اللائق، للوهلة الأولى، أن تحيّي أديبة ومثقفة بعينها، بين أقران كثر لا يقلّون عنها شجاعة وأخلاقيّة، حين يكون شعب في الشارع يعانق الموت، ويهتف للمستقبل. ومع ذلك تأخذني الكلمات إليها، قبل سواها. هي جميعاً، هي كلّنا. هي، مجازاً عن اللحظة المؤلمة، الجنائزيّة، الجميلة رغم كلّ شيء كما في التراجيديا الاغريقيّة، إلكترا ضدّ إيجيست. أنتيغونا تواجه الطاغية كريون. إنّهنّ ضمير الجماعة، وصوتها، حاملات أوجاعها وأحلامها. تحيّة إلى مواطنة خارج حسابات الطوائف والعشائر والجماعات المذعورة. كاتبة خلعت امتيازاتها وطمأنينتها، كما القديس فرنسيس الأسيزي ملابسه، ومضت إلى الجموع. «من يعرف الآن أن كل متظاهر هو مشروع موت؟».تحيّة إلى سمر يزبك، ربّما بسبب حملات التجريح المذهلة التي تتعرّض لها. ربّما لأنّها امرأة، وحدها وسط جموع الرجال، تحدّق في القتلة: «لمحت فقط عيوناً بيضاء فارغة، ومن ثم لمحت ذلك الدم، لم أعرف كيف حدث ما حدث، وأنا أنزل بين الأقدام، وأحاول الابتعاد». ربّما بسبب ذاك النص الذي قرأته لها في «الحياة»( الجزء الأول | الجزء الثاني)، وكنت أتمنّى أن ننشره هنا. ربّما بسبب ذلك الخجل من نفسي. نص واحد، يكفي كي يزحزح صخرة عظيمة عن قبر القلب. ذلك اليوم الدامي مطلع نيسان (أبريل) في «إحدى ضواحي دمشق». شهادة دقيقة، مضبوطة، خافتة، موجعة: «البطولة ليست مجداً يشبه أكاليل الغار، هذا وهم إغريقي، البطولة أن أكون في ضفة الضعفاء حتى يقووا، أو أن أعيد تدوير الأرض وكتابتها بأصابعي الهشة وبضع كلمات مهلهلة». ربّما بسبب تلك الدموع العاجزة، ويُتْم بلا قرار. أن تكون كاتباً معناه أن تشهد.