يضع جيمس مارتن مشكلات الكرة الأرضية في القرن الحادي والعشرين في سلة واحدة. للوهلة الأولى، يبدو هذا الكوكب ماضياً إلى حتفه. السرعة الجنونية في استنفاد الطاقة وازدياد معدلات الفقر والثروة، وهيمنة التكنولوجيا، والقوى المتطرفة للعولمة وأسلحة الدمار الشامل والإرهاب، وصلت إلى الحدود القصوى بما يكفي لتدمير الكوكب. هذا القرن «لا يقبل حلّاً وسطاً بين الفشل والنجاح»، لكن guru، أو مرشد عصر المعلومات الأميركي المعروف، لا يبدو متشائماً، على العكس، يتوقّع منعطفاً جذرياً لمستقبل البشر، لم تحققه القرون السالفة بسبب التطور العلمي الذي شهده العالم، وقدرة العلماء على اتخاذ التدابير الوقائية، شرط أن يستمع السياسيون إلى العلماء. في «معنى القرن الحادي والعشرين» الذي أصدره عام ٢٠٠٧، وحقق انطلاقاً منه شريطاً سينمائيّاً (الرابط على موقع «الأخبار»)، ينبّه جيمس مارتن إلى أن كوكب الأرض مريض يجب علاجه من خلال الاكتفاء بالموارد، وذلك لئلا نقع تحت تأثير سيناريو كالح، يتمثل في الدمار البيئي الذي أدى إلى تصحّر عالمي. ويدعو أيضاً إلى التوقف عن إدمان اقتصاد النفط لوقف الكوارث المناخية المستقبلية. الرهان على الذكاء الحاسوبي هو الرافعة التي يعتمدها المؤلف لوضع العالم على عتبة تحوّل مشرقة تنقذه من دمار محقق بوصفه تراجيديا إغريقية بامتياز... «فنحن في منتصف مسرحية، ويجب أن نسأل كيف يمكن أن نغيّر نهايتها».
في الكتاب الذي عرّبه أحمد رمو أخيراً عن «الهيئة العامة السورية للكتاب»، يصوغ مارتن خريطة لمستقبل العالم. واضعاً مشكلة المناخ في المقدمة: «فتغيّر المناخ يمثّل خطراً على مستقبلنا أكثر من الإرهاب». لذلك، ينبغي اعتماد موارد جديدة للطاقة تستغني عن النفط والفحم لمصلحة الطاقة الشمسية والرياح، واستثمار ثورة الكمبيوتر التي ستقفز إلى آفاق غير محدودة خلال هذا القرن. وستصبح عبارة «ذكاء غير بشري» إحدى مميزات تعريف القرن الحادي والعشرين، في عائلة متزايدة من التقنيات التي تمكّن الحواسيب من تطوير أشكال قوية من السلوك الذكي بصورة آلية في إدارة الكوكب على نحو أفضل، و«سنغوص في مياه أعمق من دون مرساة». ولن نستغرب تعديل مخلوق بشري بصورة جوهرية، ورسم خريطة للدماغ البشري باستخدام الإلكترونيات. ولعل هذه التعديلات البيولوجية، ستجعل الحياة مرضية أكثر عبر تعزيز الحواس الاصطناعية، والوقاية من الأمراض الشائعة، إذ سيتحسّن الطب الوقائي، وسيعدّل وفقاً لجينات الشخص.
أما المعنى المرعب لهذا القرن، فهو انتقال التطور على الأرض من يدي الطبيعة إلى أيدي البشر، في لعبة متسارعة بنتائج مذهلة، شرط التحكم في قواعد اللعبة. وتالياً فإن التحوّل الأساسي سيتغيّر من إتلاف الكوكب إلى مداواته، نتيجة للإبداعية المفرطة لدى جيل شاب يعيش هيجاناً إبداعياً سيضع الحضارة في موقع متقدم ينسف الرؤية القديمة في الصراع، أو ينهي الحياة على هذا الكوكب. المشكلة العالقة هنا، هي كيف نردم المسافة بين المهارة الإبداعية، والحكمة في إدارة شؤون الكوكب؟ أي كيف نبني عالماً من دون جدران، برافعة من الألياف البصرية الهائلة التي ستربط العالم بشبكة سريعة واحدة؟
القدرات السحرية لتقنية المستقبل تواجَه اليوم بعقبات جمة، لعل صراع الحضارات في مقدمها، أو العنف المتبادل بين العبادة الدينية وعبادة السوق، لكن عام 2050 سيكون نقطة التقاء بين مختلف أنواع الثقافات، وستستقر ببطء على معرفة راسخة ومتبادلة، مدركة أن «الحرب بأسلحة القرن الحادي والعشرين ليست فكرة طيبة». نحن على موعد وفقاً لمارتن، مع «عالم معادٍ للإرهاب» ومجتمع وفرة، وإلا «فستكون سخرية كبيرة، إذا كانت الديانات التي تطورت من تعاليم أنبياء يحظون بالقداسة تحرّض بطريقة ما على حروب يمكن أن تطفئ حضارتنا».