ثلاثون سنة مرت وما زال الفرنسي لوك بوسون (1959) يحوم كالطائر الغريب في فضاء السينما الفرنسية. المخرج والمنتج وكاتب السيناريو مصمّم على البقاء، رغم إعلانه قبل فترة أنّه سيتوقف عن صناعة الأفلام. يخاف على تردّي مستواه كلما ازداد عدد أفلامه، اقترح الرقم عشرة هدفاً قبل التوقف، لكنه لم يفعل.أن تكون لوك بوسون يعني أن تكون غزير الإنتاج.

صاحب «العنصر الخامس» يخرج فيلماً في السنة، ويكتب وينتج أكثر من ذلك. مع ذلك، ما زالت مشاريعه تثير غضب النقاد لتردي مستواها وتجاريتها. تبنّى تجارية هوليوود وثيماتها، من عنف وحركة، ليزرعها في بلد الموجة الجديدة، ويصبح أحد أشهر المخرجين التجاريين في أوروبا. لا يضايقه هذا كثيراً، هو الذي ذكر في حوار سابق مع صحيفة الـ«غارديان» أنّ التجارية تنطبق على غودار أيضاً، «فأنت تدفع ثمن التذكرة نفسها، وفيلمه يجني أكثر لأنه لا يكلّف شيئاً».
وصفة بوسون إذاً لإعداد فيلم هي الحركة (بمعنى الأكشن) والأناقة والميزانية الضخمة. هذا ما يوفر له حضوراً ومتابعة من جمهوره المحلي والعالمي، وهو ما يبني عليه استمراره. الافتتان بهوليوود من العوارض التي انتابته مبكراً. في الثامنة عشرة، حام المراهق الذي اعتاد كتابة القصص الخيالية لنفسه، حول أجواء السينما في باريس. أخرج بضعة أفلام قصيرة، ثم غادر إلى هوليوود وبقي ثلاث سنوات يتعلم الحرفة على الطريقة الأميركية. عاد بعدها وأسّس لنفسه شركة إنتاج وبدأ بالإخراج. كتب وأنتج وأخرج «المعركة الأخيرة» (1983)، أول أعماله الروائية. فيلم لا حوار فيه يتناول زمناً مستقبلياً بقي فيه القليل من البشر.
كانت بداية جيدة لبوسون، تبعها بعد ذلك بفيلم «النفق» (1985) الذي تدور أحداثه في مترو باريس، و«الأزرق الكبير» (1988) من وحي أصدقاء غطاسين. كلا الفيلمين لقيا نجاحاً جماهيراً ونقدياً، وأبرزا اسم بوسون مخرجاً فرنسياً ضمن حركة Cinéma du look الفرنسية في الثمانينيات المتأثرة بهوليوود وثقافة الفيديو كليب والإعلانات، إلى جانب جان ـ جاك بينيكس، وليو كاراكس. ما ميز أسلوب الحركة الشخصيات اليافعة الغريبة والمهمشة، ضمن أعمال تدور في أسلوب بصري أخاذ.
«نيكيتا» (1990) يتبع ذلك الأسلوب أيضاً وصولاً إلى أحد أشهر أفلامه «ليون» (1994) الذي أطلق ناتالي بورتمان إلى الشهرة طفلةً في أول أدوارها السينمائية تقتل عائلتها، فتعيش مع القاتل المأجور ليون الذي أدى دوره جان رينو، والأخير كثير التعاون مع بوسون. وجاء «العنصر الخامس» (1995) ليشكل نجاحاً إضافياً لبوسون، ليستمر بعدها بأفلام مثل «ياماساكي» (2000) وسلسلة «آرثر» إلى جانب كتابة وإنتاج أفلام حركية أخرى مثل «تاكسي» و«ترانسبورتر» و«المقاطعة 13».
وها هو فيلمه الجديد، «المغامرات العجيبة لأديل بلان ــــ سيك» (2010) الذي نزل أخيراً إلى الصالات اللبنانية، يمثّل تتويجاً لهذا المسار الهوليودي التجاري. تدور الأحداث في عام 1912. نشاهد أديل (لويز بورغوان) الصحافية المعروفة التي تذهب في مغامرة إلى مصر لجلب تابوت طبيب فرعوني إلى باريس، كي يقوم البروفيسور اسبيرانديو (جاكي نيرسيسيان) بإحيائه. أما السبب فلأنّها تريده أن يشفي شقيقتها التي تسبّبت أديل في وقوعها في غيبوبة.
أثناء ذلك، كان البروفيسور يتدرب على قدراته، فقام بـ«تفقيس» بيضة طائر أسطوري في متحف العلوم الطبيعية في باريس. يخرج الطائر الضخم من المتحف ويزرع الهلع في أرجاء باريس. جامعاً بين الخيال العلمي والمغامرات والكوميديا، لا يتعدّى الشريط كونه محاولة للمتعة باعتراف لوك بوسون نفسه... لكنّها متعة ناقصة أيضاً وسط سذاجة الحبكة وضعف تطورها، إلى جانب التكرار النمطي السيئ للشخصية المصرية في المشاهد الأولى. طبعاً، الشريط مليء بالسخرية من بيروقراطية الدولة وجهاز الشرطة، وسط محاولات إبهار بصري غير متميزة.
بعد تحليق الطائر المنقرض فوق المدينة، وترجّل المومياءات المصرية للقيام بنزهة في شوارع باريس... يواصل بوسون إعداد مشاريعه الجديدة التي لا تتوقف، غير مكترث بسخط النقاد المتواصل كالمعتاد.
«المغامرات العجيبة لأديل بلان ـــ سيك»: غراند سينما ABC (٢٠٩١٠٩/01)، غراند كونكورد (01/343143)، غراند لاس ساليناس (06/540975)



خيال جاك تاردي

فيلم «المغامرات العجيبة لأديل بلان ــ سيك» الذي يمزج بين الخيال العلمي والكوميديا، مقتبس عن سلسلة كوميك فرنسية شهيرة بالعنوان ذاته ظهرت في السبعينيات من القرن الماضي. وقد كتبها ورسمها الفرنسي الشهير جاك تاردي، وحصدت نجاحاً كبيراً جعلها تترجم إلى الانكليزية وغيرها من اللغات.