تستعد «البندقيّة» لوداع مديرها الفني ماركو مولر، بعد ثماني سنوات على رأس هذا المهرجان العريق. وتعد هذه فترة قياسية، إذ يشتهر المهرجان بسرعة تغيّر المشرفين عليه، وغالباً ما يحصل ذلك وفقاً لتغيّر الحكومات الإيطالية، وبالتالي وزارات الثقافة التي يتبع لها المهرجان مباشرة. ويُنتخب المدير الفني لفترة مدتها أربع سنوات، نادراُ ما تُجدّد لأكثر من مرة واحدة.
وقد عايش مولر منذ توليه الموسترا ثلاث حكومات إيطالية متعاقبة، يمينية ويسارية ثم يمينية مجدّداً. توجهاته اليسارية وتصدّيه المعلن للبرلوسكونية، لم يحولا دون التمديد له، سنة 2008، بالرغم من تزامن ذلك مع عودة برلوسكوني إلى رئاسة الحكومة. تم التجديد لمولر آنذاك بالإجماع، حيث حظي بتزكية الأوساط الثقافية الإيطالية، بمختلف توجهاتها، تثميناً لجهوده الناجحة في تجديد الموسترا واستعادة مكانتها وسمعتها اللتين تعرضتا لنكسة قوية في نهاية التسعينيات.
ولد ماركو مولر في روما، سنة 1953. ونشأ في سويسرا، حيث تابع تعليمه في مجال الأنثربولوجيا، ودرس خصوصاً الثقافات الآسيوية. من هنا تولّد ولعه بالثقافتين الصينية واليابانية، بعدما تخصص في السينما. الصحافة الإيطالية تلقبه بـ«الصيني»، ليس فقط لكونه يتحدث الصينية بطلاقة، بل أيضا لحرصه على أن يكون للسينما الآسيوية على الدوام حضور مميز في كل المهرجانات التي تولى إدارتها، سواء في الموسترا أو قبلها. فهو بدأ مشواره منتجاً سينمائياً، من خلال شركة Fabrica Cinema التي أسسها في مدينة بولونيا، أواخر الثمانينيات. ومن أشهر الأفلام التي أنتجهاNo man’s Land للبوسني دانيس تانوفيتش، الذي نال جائزة أحسن سيناريو في «كان» (2001)، وأوسكار أحسن فيلم أجنبي (2002). وقبل أن يتولى إدارة الموسترا، سنة 2004، تولّى مولر رئاسة مهرجاني روتردام (1989 ـــ 1991) ولوكارنو (1991 ـــ 2000).
خلال السنوات الثماني التي قضاها على ضفاف البندقية، استطاع «الصيني» أن يعيد للموسترا تألقها ومكانتها الريادية. وعمل خصوصاً على منافسة المهرجانين الأوروبيين المجاورين: «كان» و«برلين»، مراهناً على فريق فني يضم 11 ناقداً سينمائياً شاباً، تتوزع صلاحياتهم وفقاً للدول والمناطق الجغرافية التي تخصصوا في دراسة ومتابعة إنتاجها السينمائي.
وبالرغم من أن مندوبة الموسترا لمنطقة أميركا الشمالية، جوليا داغنلو فالان (المديرة السابقة لمهرجان تورينو)، تعدّ من أفضل الأخصائيين الأوروبيين في السينما الأميركية، تعاني الموسترا مصاعب متزايدة في استقطاب السينما الهوليوودية، بسبب المنافسة القوية لمهرجان تورنتو الذي ينعقد بالتزامن مع الموسترا، في مطلع شهر أيلول من كل سنة. ولا شك في أن هذا الإشكال سيكون التحدي الأكبر الذي ستواجهه الموسترا في عهد ما بعد مولر.