صنعاء | في السنوات السابقة، غالباً ما كانت قوات الأمن اليمنية تستهدف الصحافيين الذكور فقط لا غير، فكان هؤلاء يتعرضون للتهديد، والضرب، والاعتقال التعسفي، والإخفاء القسري... أما الصحافيات فبقين بمعزل عن هذا العنف، أقلّه في العلن. إلا أن اندلاع ثورة الشباب اليمنية مطلع شباط (فبراير) الماضي غيّر هذا الواقع، فبات القمع يصيب الصحافيين والصحافيات من دون أي تمييز.وأبرز ضحايا هذا القمع أفراح ناصر. دخلت هذه الشابة اليمنية الصحافة من باب التدوين، فعملت في صحيفة «يمن أوبزورفر»، ومجلة «يمن توداي» الناطقتَين باللغة الإنكليزية. ورغم ممارستها لمهنة الصحافة بقيت ناصر (27 عاماً) ناشطة على الشبكة العنكبوتية. ولكن يبدو أن هذا النشاط في العالم الإفتراضي لم يعجب نظام علي عبد الله صالح، فحوّل حياة هذه الشابة اليمنية إلى جحيم، مما دفعها إلى الهرب إلى السويد حيث تقيم اليوم، طالبة اللجوء السياسي.
تقول ناصر (27 عاماً) إنها قضت أوقاتاً عصيبة خلال عملها الصحافي اليومي بسبب إضطرارها للعمل ضمن إطر محدود محافظةً على الخطوط الحمراء المرسومة في اليمن والتي تكلّف كل من يتحوزها أثماناً باهظة. وتضيف أن عملها في مطبوعتَين ناطقتَين بالإنكليزية زاد الأوضاع سوءاً، إذ تركّز السلطات على هذا النوع من الصحف والمجلات بما أنّ الهيئات الدولية والمنظمات العاملة في اليمن تقرؤها «كان عليّ الوقوف عند تخوم متابعة أخبار الفن والأنشطة الاجتماعية الاعتيادية».
وبحكم مزاجها الصدامي لم تتمكّن أفراح من إحتمال هذا الواقع، في بلد تُمنع فيه عن كتابة رأيها. ولكن الوضع تغيّر مع اندلاع الثورة التونسية «كانت هذه لثورة علامة فارقة في حياتي فمنحتني الطاقة اللازمة للخروج عن المألوف وفرصة الكتابة عن يوميات الثورة والتمرد». ومع إنطلاق الشرارة الأولى للثورة المصرية ثمّ اليمنية، باتت ناصر تتابع لحظة بلحظة التطورات في هذين البلدين وتنقلهما على مدونتها «وجدت نفسي داخل غابة من التدوين اليومي حول المستجدات. ومنحني ذلك قدرة على التطرق إلى مواضيع كانت محرّمة في الماضي، فبدأت أتحدّث عن واقع المرأة اليمنية، والكبت السياسي والإجتماعي الذي يحاصرها، مدعوماً بنظام متخلف يهمه أن تبقى الأحوال على ما هي عليه».
ومع تزايد اهتمامها بهذه المواضيع التي لم يُكتب عنها في السابق، بدأ اسمها ينتشر في اليمن، وشاركت في ورش عمل ولقاءات في الخارج مكّنتها من التواصل مع مدوّنين أجانب، فبات عندها مساحة واسعة لإيصال أصوات اليمنيين إلى العالم.
إلا أن الوضع تغيّر عندما تلقّت رسالة تهديد على بريدها الإلكتروني «لكن لم أعر الأمر أي اهتمام». غير أن التهديدات ظلت تلاحقها، فباتت تصلها عبر الهاتف من أرقام مجهولة، «قالوا لي إنني أتعدّى حدودي، وإنني تجاوزت الخطوط الحمر في نقدي للرئيس علي عبد الله صالح». وتضيف: «في إحدى هذه الإتصالات تحدّثوا عن تفاصيل شخصية تتعلّق بي وبأمي وأختي، عندها اكتشفت أن الموضوع جدي وخطير».
بعد هذه المضايقات، سافرت ناصر إلى الدانمارك للمشاركة في ورشة عمل عن النشاط الإلكتروني خلال الثورات العربية «تعرضت لمضايقة في مطار صنعاء وتم احتجازي لفترة من الوقت». إلا أن جواز سفرها كان يشير إلى أنها طالب فأفلتها رجال الأمن خوفاً من ردود الفعل الداخلية، والدولية، وسافرت. بعد الدانمارك، ذهبت إلى السويد لمتابعة برنامج تدريبي قصير حول التدوين وطريقة استغلال هذه الكتابة الإلكترونية في خدمة قضايا البلدان النامية «وكنت أنوي العودة بعدها إلى اليمن، لكن تلقيت رسالة تحتوي على العبارة التالية: نحن في انتظارك في مطار صنعاء»! يومها، حسمت فرح ناصر قرارها، واختارت البقاء في السويد «بقائي على قيد الحياة هو أهم شيء عندي». وتضيف: «أنا فتاة من لحم ودم ولا بد أن أتشبث بحياتي كي أتمّكن من خدمة بلدي».وتؤكد أفراح أنها لم تلتفت لكل الكلام الذي روجه الإعلام التابع للسلطة عنها «ألفوا قصصاً لم تحدث إلا في مخيّلتهم، وأدرك جيداً أن كل هذا هو جزء من الحرب النفسية التي فتحوها عليّ وعلى أسرتي».
وكانت ناصر قد أثارت ضجة دولية في شهر حزيران (يونيو) الماضي بعدما طلبت اللجوء السياسي في السويد. يومها تحدّثت عن تلقيها سلسلة تهديدات بينها رسالة على فايسبوك تحتوي على العبارة التالية: «نعرف مكان منزلك وسنأتي لقتلك». ثم رسالة أخرى هي: «نعرف أنك خارج البلاد وننتظر عودتك وسنلقنك درساً عن كل كلمات عدم الإحترام التي تقولينها عن الرئيس (علي عبد الله صالح)». إلا أن ناصر تبدو مصرة على متابعة نشاطها على الإنترنت «سأواصل التدوين على أمل زيادة الوعي عن نضال شعب اليمن».