صحيح أن شخصية «فهمان» لم تولد سوى عام 1962، إلا أن قصة محمود مبسوط مع الفن أقدم من ذلك بكثير. قبل انضمامه إلى فرقة «أبو سليم الطبل»، أسّس الفنان الراحل عام 1955 فرقته الفنية الخاصة «درابزين آغا». ظريف «تلفزيون لبنان» رحل أمس بطريقة «مولييرية» بامتياز. كان يقدّم عرضاً في بلدة كفرصير (جنوب لبنان)، فاختتم سنوات طويلة ناضل خلالها لبناء مسيرته الفنية. هذه المسيرة التي واجهتها مشاكل عدة أبرزها موقف عائلته الرافض للفن. لم يترك الوالد الطرابلسي المحافظ حيلة لم يمارسها لكبت الميول الفنية لدى ابنه المراهق (مواليد 1941). وكان محمود المشاكس قد «استقال» من العلم باكراً. أسس فرقته الفنية الأولى، ما أغضب والده.
لكن كل المحاولات لم تنجح في ردعه... حتى حين أبعده الوالد إلى أفريقيا عام 1957، أسّس فرقة «كنكاني يزق» وراح يحيي العروض في بيوت اللبنانيين. لكن ما لم يدركه الوالد أن هذا الابن المشاغب سيكون لاحقاً صاحب بصمة في عالم الدراما اللبنانية، وشخصية أساسية من شخصيات «الزمن الجميل». بدأ مشوار محمود مبسوط الاحترافي، كغيره من مجايليه، مع التحاقه عام 1959 بالقناة 11 (شركة تلفزيون لبنان والمشرق) لتقديم مسلسل فكاهي بشخصية «أبو الفهم»، قبل أن ينتقل عام 1962 إلى القناة 7 (شركة التلفزيون اللبنانية). وسرعان ما تم دمج الشركتين التلفزيونيتَين تحت اسم واحد هو «تلفزيون لبنان». هناك، ولد «فهمان» من مدرسة «أبو سليم الطبل» التي ابتدعت أكثر شخصيات التلفزيون رسوخاً في أذهان المشاهدين. إلى جانب سنوات العمل الطويلة التي قضاها مع فرقة أبو سليم، عمل مع الرحابنة في مسلسل «من يوم ليوم»، كما مثّل في فيلمي «سفر برلك»، و«بنت الحارس». كذلك، كانت له بعض التجارب المتفرقة مثل مشاركته في «عيلة أبو المجد»، وأدواره التي أداها في نحو 33 فيلماً مع عدد من المخرجين مثل هنري بركات («زمان يا حب»)، وبرهان علوية («خلص»)، وفيليب عرقتنجي («البوسطة»)... إلا أن المسرح بقي الأحب إلى قلبه.
في مقابلة أجرتها معه «الأخبار» (عدد 12 نيسان/ أبريل 2011) قبل رحيله بأشهر قليلة، بدا فهمان مرحاً، باستثناء سحابة من المرارة خيمت على عينيه وهو يتحدث عن محاولاته هو جمع التبرعات لشراء الأدوية لزملائه غير المستفيدين من أي رعاية صحية... في ظل هذه الظروف الصعبة، لم يستسلم «العفريت» الأزلي، ظل يتحايل على الواقع، جارى عبثيته بتأسيس فرقة «فقّش طقّش» (2001) وراح ينظم الاستعراضات في الأعراس... ظلّ يلاعب الحياة التي لا تحتمل الموقف الجدي، فرحل وهو في قمة هذره الفطري.