لندن | بعض العرب لم يفتهم إعلان سعادتهم، لأن لندن تقدّم أخيراً مهرجاناً كبيراً هو «الأول من نوعه للاحتفاء بالثقافة العربية المعاصرة»، وتلتفت إلى «الربيع العربي». تغطيات هنا وهناك تنقل أخبار مهرجان «شبّاك ـــــ نافذة على الثقافة العربية المعاصرة» الذي ينظمه عمدة لندن ويُختتم غداً الأحد بعدما اجتاحت فعالياته المختلفة شوارع العاصمة البريطانية على مدى ثلاثة أسابيع.
يحاول «شبّاك» (راجع المقال أدناه) تقديم إطلالة بانورامية على فنون المنطقة العربية وأدبها: موسيقى وفنون بصرية وأدائية وشعر ورواية في قرابة 70 فعالية، شاركت في تنظيمها واستضافتها 30 مؤسسة بريطانية ولا سيما المؤسسات اللندنية التي تعنى بالفنون العربية. ورغم أن معظم الفعاليات متاحة مجاناً للجمهور، بقي الحضور متوسطاً وخصوصاً البرنامج الأدبي.
لكن، ما حقيقة الاحتفال الانكليزي بالثقافة العربية المعاصرة وكيف تم تمثيلها في «شبّاك»؟ وكيف تحتفل لندن بـ«الربيع العربي» ونصف مآسي المنطقة العربية في القرن الماضي وحتى اللحظة من صناعة سياستها الاستعمارية؟ هل انتهى التاريخ الاستعماري للندن؟ وكيف يمكنها تأسيس علاقة ثقافية صحّية مع المنطقة العربية؟ وهل يمكن أن يتم ذلك من دون اعتذار تاريخي؟ هذه الأسئلة قفز عنها «شبّاك» بالطبع، مكتفياً بالنظر إلى الثقافة العربية المعاصرة كما يريد أن يراها: ثقافة «جميلة» و«غنيّة» بلا أسئلة جارحة، تقدّم عرضها الممتع وترجع بهدوء من حيث جاءت.. ويغلق الشبّاك!
وإذا نظرنا إلى بانوراما البرنامج، نجد ببساطة أن لندن تقدّم ما تعرفه عن الثقافة العربية المعاصرة.. ومن تعرف مسبقاً من ممثلي هذه الثقافة. إذا نظرنا إلى البرنامج الأدبي مثلاً، نلاحظ أن معظم الضيوف هم إما من المقيمين في لندن وإما من الفائزين بجوائز ذات صلة بالثقافة البريطانية كـ«بوكر» العربية و«بيروت 39». نوري الجراح، وفوزي كريم، وغادة الكرمي، وفتحية السعودي، وأحمد يماني، وعبد الرحيم الخصار، وباسم الأنصار وكاتب هذه السطور، شاركوا وآخرين في قراءات شعرية وندوات نظمتها مؤسسة «شاعر في المدينة» Poet in the City جرت معظمها في «سيتي هول».
والأمر لا يختلف كثيراً بالنسبة إلى باقي الفنون والضيوف. هؤلاء، أو على الأقل معظمهم، معروفون للمؤسسات الثقافية البريطانية. ومن الواضح أنه ليس ثمة بحث جدي داخل الثقافة العربية بما يتعدى الأسماء المعروفة بدرجة أو بأخرى. ولا يخرج عن هذه الذهنية الاحتفال بسينما يوسف شاهين ضمن البرنامج السينمائي الذي ينفذ جزء منه بالتعاون مع «مهرجان دبي السينمائي».
ولا يعدم الأمر بعض التقديمات السطحية والأكزوتيكية، فيكفي أن نقرأ وصف أمسية المغربي محمد الأشعري والسعودية رجاء عالم في مركز «ساوث بانك»: «رواية الأشعري «القوس والفراشة» تتناول التطرف الإسلامي والإرهاب وآثارهما المدمرة على المجتمع العربي نفسه. رواية العالم «طوق الحمام» تكشف الحياة السرية لمدينة مكة المقدسة». بهذا الشبق الاستشراقي، قُدّم نجما جائزة «بوكر العربية» لعام 2011! وفي «ساوث بانك» أيضاً كان لقاء مع الكاتب الليبي هشام مطر. وفي مركز «فري وورد»، كان حوار مع الروائي اللبناني حسن داوود. وفي جامعة «سَواس» لقاء مع غالية قباني، وجمعة بوكليب، وخالد البري تحت عنوان «الربيع العربي: نظرة أدبية» وهو عنوان تكرر إطلاق تنويعاته على الكثير من فعاليات «شباك».
وإن تزامن المهرجان مع الثورات والانتفاضات العربية والتفت إليها برنامج «شبّاك»، وظنّه بعض العرب تحية لها؛ تبدو العلاقات الاقتصادية الدافع الأهم وراء المهرجان الذي يموّله بنك «إتش. أس. بي. سي». وكم كانت المفارقة فاقعة أنّ المهرجان انطلق بعد اعتقال الشيخ رائد صلاح في لندن، وقد جاءها محاضراً، بتحريض اسرائيلي. وهو الأمر الذي لم يفتنا الاحتجاج عليه وجعل قراءتنا الشعرية منبراً للتنديد بهذا القبح السياسي.
من جهة أخرى، تبدو مظاهر الاحتفاء البريطاني، والغربي عموماً، بثقافة «الربيع العربي» ناتجة من شعور غربي متخيّل ـــــ ليس صحيحاً بالضرورة ـــــ أن في هذا «الربيع» انتصاراً لـ«القيم الديموقراطية الغربية». في حين أنّ قيمة هذا «الربيع» تكمن أساساً في محاولة كسر الشعوب للهيمنة الغربية على الحكم وصناعتها للديكتاتوريات في المنطقة العربية.
الاهتمام الثقافي البريطاني ـــــ بعد البزنس مع المنطقة العربية وخصوصاً دول الخليج ـــــ متعلّق أيضاً بالموسم السياحي العربي/ الخليجي، خصوصاً أن الثورات والانتفاضات العربية أضعفت سياحة الصيف الخليجية في بلدان كمصر ولبنان وألغتها تماماً في سوريا لحساب لندن. كما أنّ «شبّاك» من شأنه أن يحسّن من صورة عمدة لندن المحافظ بوريس جونسون، المعروف قبل انتخابه عام 2008 بمواقف عُدّت معادية للمسلمين. جونسون بدأ منذ تسلّمه بلدية لندن (بعد صاحب المواقف التقدّمية ومنافسه كين ليفنغستون) بوزن تصريحاته وتلطيف علاقاته مع العرب والمسلمين. ولعل «شبّاك» جزء من هذا المسعى، ولا سيما أن جونسون أعلن أنه سيخوض مجدداً الانتخابات لمنصب عمدة لندن خلال الانتخابات البلدية المقبلة في أيار (مايو) 2012.
وإن كان البرنامج الأدبي لـ«شبّاك» عربياً في أغلب متحدثيه، فإن الندوات والمحاضرات التاريخية اقتصرت تقريباً على بريطانيين، كمحاضرة يوجين روغان «الهوية العربية من العثمانية إلى العروبية إلى الإسلامية» التي أقيمت في المركز العربي البريطاني. وهناك أيضاً محاضرة مدير متحف لندن جاك لوهمان «لندن والعالم العربي» من خلال مقتنيات المتحف، وحديث ألكسندرا بورتر «وقت الغداء» في المتحف البريطاني عن «اليمن قبل الإسلام»، وندوة «الجنس والسلطة ـــــ بذور التغيير في العالم العربي» في «مركز فري وورد» التي شارك فيها كل من مراسل الـ«غارديان» برايان ويتيكر مع المعلقة في الصحيفة البريطانية السودانية نسرين مالك.
طبعاً، كل ما سبق لا يهمل فرضية أنّ الانتفاضات العربية أثارت بالفعل نوعاً من الاهتمام بفنون المنطقة العربية وآدابها. ولا ينفي أيضاً أن ّهذا الـ«شبّاك» ـــــ رغم جميع الملاحظات السابقة ــــ يسرّب بعض الضوء، في زمن رفع الجدران بين الثقافات.
إذن، «المدينة الهرمة» في عجقة صيفها السياحي، تحتفل بـ«الربيع العربي»؟ ومن جهة ما في الذاكرة يهبّ مقطعٌ شعري، لعله من خمسينيات القرن الماضي: «تحبين أوزبورن؟
ـــ ومن لا يحبّه؟
ـــ عجائز انكلترا، وضباطها الآفلون مع الشمس «غرب السويس».



ضيفة شرف

حلّت زها حديد ضيفة شرف على مهرجان «شباك». وخلال الافتتاح، وصفت المعمارية العراقية المقيمة في لندن عاصمة الضباب بأنها «قبلت بالتنوع، وبذلك، فإنها قبلت بالكثير من الأشياء المختلفة التي تحدث في العالم». ورأت أن ما يحدث في العالم العربي قد ساعد على إثارة الاهتمام بالفنون والهندسة المعمارية والفيديو والأفلام والتصوير في تلك المنطقة.