الجزائر | يندر أن ينجح ممثّل مسرحي في حشد هذا الكمّ الهائل من الجمهور في الجزائر. لكنّ الذي فعله لا يزعم أنه فنان أو ممثّل مسرحي. إنّه عبد القادر السيكتور الذي لمع نجمه في سماء الفكاهة الجزائرية في السنوات الأخيرة. لم يدرس التمثيل ولم يسبق له الوقوف على خشبة المسرح التقليدي. لقد بدأ مشواره مُلقياً النكات و«القفشات» في حفلات الأعراس، قبل أن يلتقطه «يوتيوب» ويقذف به وسط هذه الأمواج البشرية التي تجاوز تعدادها الخمسة آلاف، غصّ بها مسرح الهواء الطلق «العادي فليسي» في العاصمة الجزائرية. كان خلال «حياة كلب» أول عرض «وان مان شو» قدّمها عبد القادر السيكتور أخيراً وتناول فيه واقع المغتربين في قالب هزلي.
تغيب السلسلة الطويلة التي تمتدّ من الكاتب وتصل إلى المخرج. أو بتعبير آخر، تُختصر في شخص واحد، هو هذا الرجل النحيف الذي كان إلى وقت غير بعيد عاجزاً عن شراء ثمن قرص مدمج يضمّ نكاته التي كان يلقيها في الأعراس في بلدته «الغزوات» (غرب الجزائر). وحين بادر أصدقاؤه إلى نشرها على الإنترنت لضرب المتاجرين بها في السوق السوداء، لم يتوقّع أحد أن تحظى بكل ذلك النجاح الذي لن يجعل «السيكتور» المرغوب الأوّل في عالم الكوميديا في الجزائر فحسب، بل سيوصله إلى كبريات المسارح في العواصم العربية والأوروبية، ويُقحمه في الفن السابع.
إذ شارك في الفيلم المثير للجدل «خارجون عن القانون» للمخرج الجزائري الفرنسي رشيد بوشارب، قبل أن يتورط مع الشاشة الصغيرة في برنامج «سيكتور شو» الذي يُنتظر عرضه خلال شهر رمضان على فضائيّة جزائرية خاصّة بعنوان Beur TV تبثّ من باريس.
الكاتب والمخرج والممثّل هم شخص واحد، أما الديكور فهو المكان ذاته من دون إضافة. لكن «السيكتور» يتجاوز نفسه في «حياة كلب».
يعيد صياغة نكاته على شكل نصّ منسجم ومترابط، مشكّلاً حكاية واحدة، متطرّفة في نقدها اللاذع للواقع الجزائري وتشريحها الساخر لحياة هؤلاء من خلال قصة مهاجر غير شرعي في باريس يكتشف أن حياة كلب سيّدة فرنسية أفضل بكثير من الحياة التي يحظى بها.
يستعير عبد القادر من الشارع حكاياته ولغته أيضاً، مضفياً المزيد من الواقعية على العرض، ومستقطباً المزيد من الباحثين عن الضحك.
وهذا لا يُرضي بالتأكيد أهل الاختصاص من الفنّانين والنقّاد والأكاديميين الذين لا يكتفون بالقول إن ما يقدّمه ليس مسرحاً ولا «مونولوغاً» بالمفهوم المتعارف عليه، بل ينفون عنه صفة الممثّل والفنان جملةً وتفصيلاً ويتّهمونه بالشعبوية. لكن ذلك، لم يمنع هذه «الظاهرة» من الانتشار، إلى درجة أصبح تقديم عرض له حدثاً كفيلاً بملء مدرّجات مسرح كبير.
مهما تكن آراء المختصّين، فإنها لم تفلح في كبح الجمهور العريض من الانجذاب إلى «السيكتور» الذي يتحدّى مؤسّسات مسرحية قائمة ما زالت عاجزة عن استقطاب جمهور خارج دائرة المتخصّصين الذين يملأون قاعات العرض خلال أيام المهرجانات، ليغيبوا بعدها في انتظار مهرجان آخر.