جاءت الثورة الليبية وسرقت الشاعر خالد مطاوع من عمله الأكاديمي كأستاذ للكتابة الإبداعية في جامعة «ميتشغان» الأميركية، ومن مزاجه كمترجم للشعر، ودفعت به الى تجربة جديدة. لقد انخرط في فريق عمل قناة «ليبيا الحرة» التي تبث من قطر دعماً للثورة الليبية. يعمل مطاوع إعلامياً محترفاً في القناة. يحرّر الكثير من الأخبار ويترجمها ويشرف على مقالات الرأي في موقعها الإلكتروني. وأحياناً، يطلّ على المحطات الإخبارية الأميركية ليعلّق على الأحداث.
مهمة جديدة لا يعتقد مطاوع أنها تناسبه، لكنّه يخوضها من موقع المثقف النقدي الباحث عن أفق لدعم الثورات العربية بطريقة يعجز عنها الشعر. يقول مطاوع: «مَن يعرف قصيدتي، يدرك أنّها لا تصلح لأن تكون رداً مباشراً على الأحداث. هي ليست وقتية، بل تأملية قائمة على خبرات تراكمية، وفيها الكثير من التاريخ. وبالتالي، عندما بدأت موجة الثورات العربية، أحسستُ أنّ الشعر لم يكن ردي العاجل على الأحداث. ولمّا انتقلت الثورة الى ليبيا، شعرت بمسؤولية مضاعفة، وخصوصاً بعد ظهوري في أكثر من محطة أميركية لتقديم تعليقات على ما يحدث، بهدف تمكين المشاهد الأميركي من تكوين وجهة نظر. وهذا الطلب حفزني على خوض تجربة العمل الإعلامي».
في البداية، كتب مجموعة من المقالات عن الموسيقى الليبية وعمليات تحديثها، وهي مقالات فنية سياسية سعى فيها إلى كشف جريمة ارتكبها نظام القذافي عندما حاصر تنوّعها، وغلّب طابعها البدوي فقط. وفي مسار آخر، كتب مقالات للتعريف بأسماء حُجبت في الأدب الليبي، وبعض أصحابها سُجنوا سنوات بسبب محاولتهم «تخصيب الثقافة الليبية بعد سنوات من الجدب والإحباط. فما لا يعرفه بعضهم أنّ الثورة في ليبيا لم تكن وليدة مصادفة، بل نتاج جذوة اشتعلت منذ زمن، ربما بطريقة لم يلمسها أحد خارج ليبيا».
بابتسامته الهادئة، يشدد مطاوع على أنّ الثورة الليبية ستطبع القرن الحادي والعشرين... وأنّ الحدث يفوق بأهميته مقاومة المحتل الإيطالي. ويستدرك: لكن «الشعب الليبي أجبر على تبني خيار المسار المسلّح». وبحماسة لافتة، يرى الشاعر المتأمل بطبيعته أنّ الثورات العربية بما قدمته من تضحيات، تمثّل وسيلة لدفعنا إلى الأمام، لكنّها أيضاً قد تقودنا الى سنوات ردة عميقة إذا لم نحسن استغلالها. لا يشعر مطاوع بالارتباك وهو يؤكد وقوفه كمثقف نقدي وراء القرارات الدولية بشأن ليبيا، بما في ذلك تدخل «الناتو»، إذ يرى أنّ «لا حل آخر في مواجهة قاتل»، لافتاً الى أنّه يساند حلف شمالي الأطلسي لغاية اكتمال تركيبة وطنية تستطيع إجبار القذافي على التنحي والخروج من ليبيا كلها.
لا يبدو مطاوع متحمساً للإجابة عن سؤال يتعلّق بموقف المثقفين الليبيّين الكبار من الثورة. يفضل أن ينقل الكرة الى ملعب آخر، مؤكداً أنّ مواقف معظم المثقفين العرب من الثورات في بلادهم كانت ملتبسة وغامضة، لكن في الحالة الليبية، كانت الأمور أشد تعقيداً، كما يشير. ثم سرعان ما يقول: «منذ البداية، لم أرغب في إنهاك طاقتي في متابعة ما يقوله الآخرون. أنا أعرف أن معظم المثقفين ضد النظام الليبي، وأعلنوا ذلك فعلاً. وبالتالي ليس مطلوباً التفتيش في مواقف الآخرين. اللحظة الراهنة تتطلب السمو فوق هذه النزعات، وخصوصاً أنّ للناس ذاكرة قادرة على الفرز».
يكتب خالد مطاوع شعره باللغة الإنكليزية، ثم يترجم بعضه. مع ذلك، لا يرى أنّ ما يكتبه سعي إلى بناء هوية أدبية مغايرة. يرى أن نصه الشعري ابن هوية مركّبة: «حاولت دوماً مواكبة الحركة الأدبية الليبيبة على نحو جيد منذ الثمانينيات. عندما بدأت الكتابة، قرأت ما تيسّر لي من نصوص ليبيبة. وعندما عشت في القاهرة خلال مرحلة من سنوات الدراسة، تمكنت من ذلك بطريقة أفضل، لأن بعض النصوص كانت مفقودة. وفي العقد الأخير، استطعت بفضل زياراتي المتكررة لبنغازي من الوصول الى ما غاب عني قدر الإمكان. مع ذلك، لا أعتقد أنني جزء من هذا السياق على الصعيد الفني».
لا يرى خالد مطاوع أن النجاح الذي تحقق لأعماله ولأعمال مجايله الروائي الليبي هشام مطر (نافس على «مان بوكر» 2006 بروايته «أرض الرجال») هو بداية تأسيس لأدب ليبي مزدوج الهوية. يشير إلى أنّ الرواية الليبيّة التي تكتب بالعربية هي رواية معاصرة فرضت نفسها في متن نصوص الحداثة العربية، وكرست أسماءً مهمة مثل إبراهيم الكوني. من ناحية أخرى، يؤمن صاحب «فلك الأصداء» بأن فكرة أدب المهجر لم يعد لها وجود. الكاتب الأميركي من أصول عربية لن ينجح ما لم يكن قادراً على الانخراط في منافسة تستند بالأساس إلى أدوات فنية عالية. «الكتابة في أميركا مثلاً لا تسمح باستمرار «متوسطي الموهبة»، على عكس العالم العربي، الذي يفتقر إلى معايير شفافة للتقويم بسبب غياب الحركة النقدية الجادة، أو شفافية سوق النشر والتوزيع. والأهم في أميركا أنّ الكاتب يشتغل على نصه، ويسعى إلى تطويره مع ناشره، أو عبر المحرر الأدبي، وهي وظيفة لا وجود لها أيضاً على الصعيد العربي».
يعتقد صاحب «خسوف الإسماعيلية» أن الأدب المكتوب بالإنكليزية مفتوح من ناحية موضوعه ومكانه أيضاً. هذه السمة ساعدت الشعر الأميركي على إيجاد قبول في أنحاء العالم. ويفضل مطاوع أن يُحسب على شعر الأقليات في الولايات المتحدة، فهو يكتب عن الأقلية العربية، لكن بتقنيات مستمدة من القصيدة الأميركية.
خلال سنوات عمله في الجامعات الأميركية، ترجم تسعة دواوين لأسماء بارزة، منها أدونيس، وسعدي يوسف، وفاضل العزاوي، وأمجد ناصر، وجمانة حداد، ومرام المصري، وإيمان مرسال، وهاتف الجنابي. ويرى أنّ عمله كمترجم للشعر العربي أكسبه معرفة بتقنيات هذا الشعر، لكنّه لم يمنحه جرأة الكتابة في هذا المجال، لذلك يبقى منحازاً لانتمائه إلى الشعر بالمعنى الكوني، وبمعزل عن التقسيمات الجغرافية، فهوية الشاعر تكمن في نصه.
مر خالد مطاوع بتجارب لا يود تكرارها، منها نشر ترجمات عربية لنصوصه، ونشرها في دواوين مستقلة، مشيراً إلى أنّ التجربة «محبطة بامتياز». يقول: «عندما أنشر بالإنكليزية، أجد أصداءً تسمح لي بتأمل تجربتي. وهو أمر لم يحدث عربياً. والمؤسف أن شعراء عرباً كباراً أكثر مني شهرةً، قالوا لي إنّهم يعيشون الماسأة ذاتها. للأسف، فالكتابة بالعربية لم تفتح لي مجالاً للحوار، سواء مع الشعراء أو مع القراء، لكنّي أعتقد أن اسمي مطروح عربياً، إلّا أنّ قصيدتي غير معروفة».
مدفوعاً بعقدة الأخ الأوسط، كما يقول، سعى مطاوع الى تأسيس «رواي»، وهي مؤسسة أميركية للكتّاب العرب. نجحت المؤسسة في لمّ شمل الكتّاب العرب في بلاد العم سام، والتعريف بإنتاجهم الأدبي في الأوساط الأميركية. خلال رئاسة مطاوع لها من 2005 حتى 2009، أقامت المؤسسة مؤتمرين نشرت أوراقهما في دوريات أميركية مهمة، وكما يرى، فإنّ للكتّاب العرب هناك هموماً وطرائق كتابة فيها الكثير من التجانس، مدعومةً بإيمان ضروري بفكرة التعددية الثقافية والقضايا العربية، لذلك، يشعر مطاوع بالرضى عما أنجزه في «رواي».



5 تواريخ

1964
الولادة في بنغازي، ليبيا

1995
أصدر بالإنكليزية ديوانه الأول «خسوف الإسماعيلية»، الذي تُرجم إلى العربية عن «دار شرقيات» في القاهرة بعد عشر سنوات

2009
نال درجة الدكتوراه وواصل عمله في جامعة «ميتشغان» الأميركية أستاذاً للكتابة الإبداعية

2010
نال «جائزة والاس ستيفنس» من «أكاديمية الشعراء الأميركيين»

2011
رُشحت ترجمته لمختارات من شعر أدونيس لجائزة «غريفين» في كندا