رغم انتمائها إلى جيل الحداثة الشعرية، لم تلتفت ندى الحاج في دواوينها الستة السابقة، إلى السمات الأسلوبية التي وسمت هذا الجيل، أي قصائد اليوميات والسرد الحياتي والتخفف من البلاغة والغنائية. بقيت صاحبة «كل هذا الحب» (2001) حريصة على إيجاد نبرتها الخاصة بعيداً عن كليشيهات ثابتة لطالما وقعت القصيدة الحديثة في فخاخها.في ديوانها الجديد «أثواب العشق» (دار HKI ـــــ Hiba AL Kawas ـــــ توزيع الدار العربية للعلوم ناشرون)، الذي تضمّن لوحات للتشكيلي عادل قديح ومقدمة للمطران جورج خضر، تتابع الشاعرة اللبنانية صوغ علاقتها مع المطلق، بوصفها منطلقاً لفهم الذات وحيزاً شعرياً لطرح الأسئلة العميقة من زاويا فنية وجمالية مختلفة. الخالق يحضر في أكثر من قصيدة بوصفه قيمة لامتناهية، وسؤالاً وجودياً يتردد في الدواخل والأعماق الحائرة «ثبّت قدميّ لأمتشق الدرب اليك/ لوّن عينيّ بهالتك/ وأسند رأسي على نورك/ اشتقت إلى حياة كانت قبل أن تلدني أمي/ ثمّة صوت ينتشلني ويجذبني اليك».
ثمة ابتعاد متقصّد في معظم النصوص عن الحسية والمشهدية، يقابله جهد دؤوب لرفع موضوعات الديوان وأفكاره عن مادية الواقع، ودمجها في الرؤية الصوفية التي تنتهجها الشاعرة. حتى الحب والجسد أدخلتهما في دائرة تصوراتها الكلية والميتافيزيقية عن العالم والوجود. تقول في قصيدة «أثواب العشق» عنوان الديوان «كأن نأتي إلى هنا ونغترب/ أن ننجو ونُهزم/ أن ندور وننسلخ/ أن نحب ونفهم/ أن الذرّة الواحدة هي انشطارنا/ أن النفس يقيم حيث الوجدان/ أن السهو كاتم الأسرار وينفيها/ أن العبر لا تكترث للحقيقة المخبّأة بين البتلات/ وأن السماء المنجذبة الينا لا تنحسر في الفقدان/ تضم أجساداً اليها وتتسع».
هاجس الشاعرة في البحث عن ذاتها وراء العالم المادي وعناصره المنظورة، لم يجعل قاموس المفردات عندها ينحصر في مناخات هذا الهاجس وعباراته الغامضة. على العكس، بحثت عن مصادر مغايرة للغتها، تتكئ على التجارب والأمكنة والحالات والمناخات التي عاشتها وتأملت في تبدّلاتها. هذا ما يندرج على البناءات العامة للنصوص التي لم يأتِ التكثيف في صياغتها نتيجة تقنية شكلانية أرادتها الشاعرة، بقدر ما هو تعبير عن عمق التجارب التي تتوهج داخلها، وتخرج في تعبيرات مختلفة: «أنا ما أرى/ أحتفل بما لا يرى ولا يختفي/ أنا ما أرى/ أحب ما لا أرى/ وأرتجي ما لا يرى/ وأصغي/ أنا ما أرى/ بالهذيان والذوبان/ بالوعي المنثور/ والأحلام المنتشلة من آبار الكيان».