عمان | تفرض صورة خيام اللامي وهو يعزف في مستودع مهجور، مرتدياً قميصاً وبنطالاً داكنين، الحديث عن أُسطوانته «رنين أقلّ» (إنتاج شركتي «إيقاع» و«نوى»). ألبوم الموسيقي العراقي (1981) الذي قدّم أمس حفلة على خشبة «مسرح البلد» في عمّان، وقبلها في «مسرح بيروت»، يختزل تجربته التي استهلكت ثلثاً من حياته في دراسة الكمان بين دمشق ولندن والقاهرة، ثم تركه من أجل دراسة الدرامز وتأسيس فرقتي روك وتركهما، وصولاً إلى دراسة العود والموسيقى الشرقيّة وعلم موسيقى الشعوب. بذلك، لا يمكن الحديث عن موسيقى اللامي بانفصال عن تراكمات تجربته التي أوصلته إلى ذلك المستودع المهجور الذي يفرض ثقلاً وربما كآبة غير عاديتين.بدأت محاولات اللامي الموسيقيّة في الثامنة من عمره، عندما حاول تعلّم العزف على الكمان، حاصلاً على دور في فيلم «الطحالب» للسوري ريمون بطرس، قبل أن يتجه إلى الدرامز والباص غيتار، ويؤسس فرقتي روك في لندن، لينال لقب عازف «درامز مشحون بالعاطفة» في أوساط الفرق المستقلة هناك. هذه العاطفة تحوّلت إلى العود، بعدما أثّرت فيه الموسيقى الشرقيّة التي سمعها من عازف الكمان اللبناني عبّود عبد العال. تتلمذ على يد عازف العود العراقي إحسان الإمام، ثم بدأ رحلة بين القاهرة، حيث درس على يد العراقي نصير شمّة، والمصري حازم شاهين، وإسطنبول، حيث درس على يد التركي محمد بيتماز. في ذلك الوقت، كان اللامي ينهي تحصيله في الدراسات الموسيقية الشرقية والأفريقيّة من جامعة لندن، ليحصل بعدها على منحة World Routes Academy من راديو «بي. بي. سي 3».
هذه المنحة هيّأت له الفرصة لتعميق تجربته، والالتقاء بالموسيقى من شقّها الآخر: كمتفرّج عن كثب. هكذا التقى الموسيقيين في برامج إذاعيّة شارك في إعدادها، ودوّن تجربته في مدوّنة خاصة، ونظّم يوماً للثقافة العراقيّة عزف فيه مع الموسيقي العراقي إلهام المدفعي معولاً ربما على نجوميّته، إضافةً إلى موسيقيين آخرين، كما جال على بيروت ودمشق وعمّان. توّجت هذه المنحة بعرضين؛ الأول في مهرجان WOMAD المتنقّل، والثاني في مسرح قاعة «ألبرت هول» في لندن.
اليوم، عاد اللامي إلى مربّعه الأول: بيروت، وعمّان والقاهرة ليقدّم مع عازف الإيقاع المصري أيمن مبروك، باكورته مشحوناً بتراكمات التجربة التي نضجت خلال سبع سنوات، لكن، هل نضجت فعلاً؟ بالتأكيد. خلال سبع مقطوعات: «تفرّد»، و«نغمة تحرير»، و«توازن»، و«ألف/ أوج»، و«توازن أقل»، و«الهبوط»، و«حلم اليقظة»، تبدو تقنيات أستاذ العود المساعد في جامعة لندن مكتملة، سواءً في اللعب حول مقام النوى العراقي، أو في الارتجالات. يساعده على ذلك التحكّم في شدّة العزف أو خفّته، وخصوصاً في مقطوعة «ألف/ أوج».
ينفي اللامي أن تكون أسطوانته «عودة إلى الأصول» بل إنّها «عودة إلى التوازن». بين اهتماماته المختلفة من الطبلة الهنديّة وفرق روك الثمانينيّات الـpunk والـgrunge، إلى رياض السنباطي ونصير شمّة (يبدو أثره واضحاً) وعازف السيتار الإيراني حسين علي زادة، يحاول اللامي هنا استكشاف أثر الثقافة العراقيّة على موسيقاه. ينجح في هذه التوليفة، لكنه يذهب أبعد من ذلك أحياناً ليثبت اكتمال تقنياته. نقول ذلك مستعيدين حديث اللامي نفسه عن الصمت «كلما عزفت بصوت أعلى، حظيت بدرجة إنصات أقل». لذلك، لا يمكن المستمع أن يلحظ ذلك «الصمت» وسط زخم اكتمال التقنية والاستعراض بها أحياناً. موسيقى اللامي شعريّة، ومؤثّرة، ومحمّلة بكآبة عميقة، لكنها تفتقر إلى الهدوء للوصول إلى الصمت. الهدوء الذي تتوّج به موهبته.
www.khyamallami.com




حازم شاهين «الأفضل»

يدرك خيام اللامي أنه يسير في درب صعب من أجل تحديث الثقافة الموسيقيّة العربيّة. لذلك، أسّس «نوى» لتتولى إنتاج باكورته، وحتى تصميم غلافه الأسطوانة. لا يتوقّف الموسيقي الشاب عن السعي إلى التغيير. يُعدّ مشاريع عدة من أجل تعريف الجمهور الغربي بالموسيقى العربيّة المعاصرة «الجيّدة»، كما يسمّيها.
لا يقدر اللامي على استذكار اسم موسيقي عراقي شاب يمتلك رؤيته الخاصة للخروج من حراسة التراث، لكنّه في المقابل، يستذكر الموسيقيّ الفلسطينيّ خالد جبران بكثير من الحسرة لأنه غير معروف على نحو كافٍ. أما النقطة المضيئة الوحيدة، فيجدها في المصري حازم شاهين «شاهين موسيقي أصيل ويمتلك رؤيته الخاصة».