خطف المرض رولان بوتي (1924ـــ 2011) على عجل، في بيته في جنيف عن 87 عاماً، لتنطفئ أسطورة أخرى من أساطير الرقص الحديث التي طبعت النصف الثاني من القرن العشرين. مثل سلفه دياغيليف صاحب «الباليه الروسي»، جمع من حوله حفنة من الكتّاب والفنّانين والموسيقيين ومصمّمي الأزياء الذين أسهموا في صناعة نجاحه. فهم مبكراً أن الاستعراض لا يقوم على مصمّم الرقص وحده، بل على تلك المعادلة السحريّة بين أطراف مختلفة، الراقص والموسيقى طبعاً، إنما أيضاً المناخ الأدبي والبصري الذي يمنح الاستعراض روحه. آنوي وكوكتو وبريفير أسهموا في سيناريوات أعماله، إيف سان لوران وكريستيان ديور صمّما أزياءها... الهويّة البصريّة حملت بصمات ماكس إرنست وبيكاسو وفازاريلي وسيزار وجان تينغيلي ونيكي دو سان فال... أما خريطته الموسيقيّة، فتمتد من تشايكوفسكي إلى موريس جار وجوزف كوزما وريشار غاليانو وغبريال يارد، مروراً بـ«البينك فلويد» ونوغارو وغينسبور وجان فيرا.كان رولان الصغير مسكوناً بأفلام فريد أستير الذي سيلتقيه لاحقاً في هوليوود ويصمّم أحد استعراضاته. في التاسعة دخل إلى مدرسة الباليه في أوبرا باريس، وهناك تكوّن على يد معلّمين كبار، وبدأ يرقص في أعمال كلاسيكيّة. ترك الأوبرا في العشرين، ليؤسس «باليه الشانزليزيه». في الخمسينيات، وقّع عملين بقيا من أروع ما أبدعه إلى اليوم «الشاب والموت» و«كارمن»... ثم أطلق «باليه باريس» مع زيزي جانمير، ملهمته ونجمته ورفيقة دربه. لقد أسهمت هذه الراقصة والمغنيّة والممثّلة، في نقل بوتي من الباليه الكلاسيكي إلى عالم الميوزيكهول، ليبثّ، بعد عودته من هوليوود، نفساً جديداً في فنون الاستعراض في فرنسا. أما المنعطف الحاسم في مسار رولان بوتي، فهو «باليه مارسيليا» الذي أسسه مطلع السبعينيات، لينتج على امتداد ربع قرن، بعض روائع الرقص الحديث، من «بينك فلويد باليه» إلى «ملكة البستوني». أعاد الراحل تقديم أعماله عبر العالم خلال العقدين الأخيرين، فتسنّى للجيل الجديد اكتشاف تجارب طبعت الرقص الحديث، بفضل الرؤية المسرحيّة والتشكيليّة للرجل الذي «مشى على الماء» حسب عنوان الكتاب الذي روى فيه مسيرته الفنيّة.