دمشق | علّق قسم كبير من السوريين آمالهم على الحوار الوطني الذي انطلقت أعماله أول من أمس في مجمّع «صحارى» السياحي في دمشق. ورغم أنّ وجوه المعارضة التقليدية غابت عن الجلسات، شارك وفد «رفيع المستوى» ممثِّلاً فناني سوريا. وضمّ الوفد مجموعة من الوجوه البارزة أمثال عباس النوري، ودريد لحام، وبسام كوسا، وغسان مسعود، ومنى واصف، وسلاف فواخرجي، وجيانا عيد... إضافةً إلى الكاتب حسن م. يوسف وبعض الإعلاميين.أما اللافت، فكان إلقاء عباس النوري كلمة باسم زملائه، رغم حضور نقيبة الفنانين فاديا خطاب. وكان لكلمة النجم السوري وقع مؤثر على الحاضرين، إذ بدت مختلفة عن الخطابات الرسمية، كما أنّها امتازت بالجرأة وبملامسة واقع الشارع السوري. واعترف النوري بأن سوريا تفتقر إلى الحوار، وإلى الحياة السياسية الحقيقية، واحترام الاختلاف «نحن في حالة إقصاء، وعقلنا لا يزال إلى حدّ ما أسير موروثات إقصائية».
وأضاف النوري إن الكلام اليوم «هو كلام المواطن المستقل في الشارع الذي لا ينتمي إلى أي حزب». ودعا إلى فك الارتباط مع «الجبهة الوطنية التقدمية» (جبهة تضمّ مجموعة من الأحزاب السورية، بينها «حزب البعث»)، وإلى إعادة إنتاج حياة سياسية «جريئة قادرة على قراءة الواقع الجديد». ولفت نجم «الحصرم الشامي» إلى أن سوريا تعيش اليوم مرحلة تغيير لا مرحلة انقلابات. ثم أعلن أنه وضع مع زملائه مجموعة خطوط عامة هي بمثابة ورقة عمل. وأبرز نقاط هذه الورقة هي «الحوار بين طرفين متعادلين لتحقيق إصلاح سياسي، واقتصادي واجتماعي تدريجي ضمن خطة زمنية، مع تحديد أولويات الإصلاح في الشارع»، إضافةً إلى «العمل على إنتاج سلطة جديدة لحماية النظام من خطر إعادة إنتاج نفسه، وتحديد الحدود القانونية للتحرك»...
كذلك، طالب النجم السوري بإشراك المواطن في مكافحة الفساد بدلاً من أن يقتصر الأمر على المؤسسات الرسمية... إلى جانب «رفع الوصاية عن المجتمع الأهلي على نحو عام... يكفي مخافر ودوريات».
وتطرقت الورقة إلى مواضيع أخرى مثل تحرير القضاء من السلطة التنفيذية، والمؤسسات الحكومية من القبضة الأمنية... وتفعيل دور مجلس الشعب وإعادة اسمه السابق أي «مجلس النواب». وتعديل قانون الأحوال الشخصية بما يتناسب مع دستور سوريا، الذي يؤكد مساواة المرأة مع الرجل في الحقوق والواجبات، ومناقشة البنود غير الديموقراطية في الدستور، وإنتاج دستور جديد «يليق بكرامة كل مواطن».
أخيراً تلا النوري أسماء المشاركين في وضع هذه الأفكار وهم: بسام كوسا، والليث حجو، وفؤاد حميرة، وأحمد معلا، وسليمان عبد النبي، ونجيب نصير، وأيهم ديب، ونضال سيجري، ومحمد إبراهيم العلي، «وهناك أسماء من أقطاب المعارضة المثقفين لم يشاركوا في هذا اللقاء اليوم واعتذروا»...
ورغم وجود بعض النقاط المهمة والحساسة التي جاءت في ورقة العمل هذه، تعالت عدة أصوات منددةً بمشاركة نجوم الدراما السورية في مؤتمر سياسي بحت. وأضاف المحتجون إنه بدلاً من استضافة الفنانين «حبّذا لو شاركت المعارضة الحقيقية، التي دفع رموزها جزءاً من أعمارهم في السجون». هكذا، أطل الكاتب حكم البابا، المعروف بمواقفه المناهضة للنظام في سوريا، على شاشة «BBC عربي» ليسخر من الحضور الفني ضمن فعاليات المؤتمر، ويصرّح بأن الحوار «لا ينفع في ظل اعتماد الحل الأمني في مختلف المحافظات السورية، واقتحام دبابات الجيش مدناً بأكملها». وأضاف: «مع احترامي لجيانا عيد أو عباس النوري أو سلاف فواخرجي، لكن مَن يتحاور مع من في هذا المؤتمر؟ وهل يتحاور المتظاهرون مع هؤلاء، وما دخل الفنانين في عملية الإصلاح والتغيير التي يفترض أنها تجري في سوريا؟». وسأل «لماذا حضر الممثلون بينما غابت التنسيقيات والفعاليات الشبابية التي تنظم التظاهرات في سوريا؟». كذلك فعل متصفحو موقع فايسبوك، الذين انتقدوا حضور مجموعة كبيرة من الفنانين بدل السياسيين، كما كتبوا عن تغطيتهم لأعمال مؤتمر الحوار بطريقة ساخرة.
إلى جانب ذلك، وبعد نهاية الجلسة الافتتاحية، تلقفت كاميرات التلفزيونات الموجودة بكثافة في المؤتمر معظم النجوم السوريين، وأجرت معهم أحاديث عن أسباب حضورهم، وعن مفهومهم للحوار الوطني... باختصار بدا الحدث أشبه بمهرجان كرنفالي أو حدث فني بحت، إذ كان يكفي حضور عباس النوري وحده ليشرح نقاط ورقة العمل التي أعدها مع زملائه من دون أن يطغى حضور الوسط الفني على الجلسة. وقد بدت الصورة في جزء منها كأنها مشهد تمثيلي في أحد المسلسلات السورية.



«الخبر» وداعاً

تميزت التغطية الإعلامية السورية لمؤتمر الحوار بجرأة غير مسبوقة. هكذا أفسحت المجال لبعض المشاركين بالتعبير عن رأيهم بحرية أمام الكاميرا. من جهة ثانية، وبينما تستعد سوريا لبدء العمل بقانون إعلام سوري جديد، توقفت جريدة «الخبر» الاقتصادية عن الصدور، بعدما مُنع توزيعها عشرات المرات، فرزحت تحت خسائر بعشرات الملايين. لكن رئيس تحرير «الخبر» يعرب العيسى قال إن هذا القرار جاء بناءً على طلب صاحب الترخيص، طريف الأخرس، مؤكداً أنه لا يعرف الأسباب الحقيقية لذلك. وقد ترددت أخبار تؤكد أن التغطية الشاملة للقاء التشاوري الذي جرى في «سميراميس» منذ فترة كان خلف صدور هذا القرار.