لم يتعب اللبناني من الحكي. مع انفجار أشكال التعبير وتعدّدها، انصرف بعض الشباب إلى التدوين، بعضهم آثر إيصال صوته عبر جدران المدينة التي احتضنت «الغرافيتي» على أشكاله، فيما أطلق آخرون أغنيات «راب» و«هيب هوب». فرقة الراب «أشكمان» التي تأسست أواخر التسعينيات، عبّرت عن نفسها على خط مزدوج. لم يكتفِ الأخوان التوأم محمد وعمر قباني بأغنياتهما، بل افتتحا منذ عام 2001 محل «أشكمان» في منطقة الحمرا لبيع القمصان، مع تنويه خاص: «لا نصلّح أشكمانات، نصمّم تي ـــــ شيرتات»!
في معرض «أفكارت» الذي اختتم أمس في «أسواق بيروت» وضمّ أعمال عدد كبير من المصممين والحرفيين، عرض الأخوان قمصانهما التي كتبا عليها «لن تموت أمة لديها غراندايزر» أو «إن لم تكن أشكماناً أكلتك البوجيهات»، مازجين بين شغفهما بثقافة الهيب هوب واستثمارهما لاختصاصهما في مجال التصميم الغرافيكي. بيانات غريبة، وطريفة، تجد طريقها منذ فترة إلى سوق الاستهلاك اللبناني من خلال شباب يبتدعون كل يوم ألف فكرة جديدة لبدء تجارة صغيرة، ومستقلة، يستثمرون فيها مهاراتهم في التصميم.
سارة كيروز التي احتلت الكشك المقابل لـ«أشكمان» في المعرض نفسه، اختارت الانطلاق في رحلة غنية تنهل من تراث الحكي الشعبي: متخرجة التصميم الغرافيكي وعاشقة الموضة تغرف من كنوز الأمثال الشعبية اللبنانية، وتدوّنها على حقائب ذات ألوان فاقعة وعصرية. مشروعها الذي أطلقته أخيراً تحت اسم «عَ شكلو شكشكلو» لم يغفل مثلاً الأمثال الشعبية مثل «طب الجرة ع تمها» و«احترنا يا قرعة وين بدنا نبوسك»، فزيّنت بهذه الأمثال حقائبها الأنيقة والعملية المطروحة للبيع في «بيت المحترف اللبناني» في عين المريسة. في ظلّ الاحتكارات الكبيرة، وقوانين الوظيفة التقليدية التي تخنق الإبداع، وجد هؤلاء الشباب وكثيرون غيرهم طريقة للكسب المادي من خلال ممارسة عشقهم لمجال معيّن باستقلالية لا تخلو من رهان الاستمرار
الصعب!