حفلة افتتاح «مهرجانات بيت الدين» كانت مميّزة كالعادة. لولا بعض الثغر لاكتمل «الحدث» سحراً وعظمة ليلة الجمعة. في بداية تلك الأمسية الاستثنائية، عبّرت «الأسطورة» صباح المكرَّمة عن سرورها بالنوْط (وسام الأرز من رتبة ضابط أكبر) الذي قلّدتها إيّاه السيّدة الأولى وفاء سليمان باسم رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان. التحية التي وجّهتها رويدا عطية إلى «الصبوحة» بمشاركة أوركسترا قادها إحسان المنذر، اكتست طابعاً فنّياً معاصراً.«الشحرورة» التي دأبت على زرع الفرح والحبّ على مدى نحو ستّة عقود، دخلت قلوب الناس، وانتزعت اعترافاً رسمياً بأهمّيتها. استعادت أغنياتها الموشومة بالذاكرة، أعادتنا إلى زمن آخر. 27 أغنية وموّالاً أدّتها الفنّانة السورية الشابة ضمن استعراض غنائي راقص لم يكن ضخماً كما كُتب قبيل الحفلة.
معظم الرقصات التي صمّمها سامي خوري، افتقرت إلى أسلوبية تدهش المشاهد، وبقيت حائرة بين العصرنة والأصالة، من دون أن تهتدي إلى المعادلة التي تجمع بينهما. الرقصات كانت عادية، احتاجت بنحو أساسي إلى هوية واضحة تدمغ ذلك العمل الفنّي. أمّا الإخراج الذي تولّاه جيرار أفيديسيان، فلم يكن باهراً، لكنّه مقنع نسبياً.
لا شكّ في أنّ رويدا تتميّز بصوت أغنّ. لكن حركتها الدائرية على المسرح وخطواتها في الرقص قلّلت من قوّة صوتها، وخفّفت ألقه بعض الشيء. «قوّة الصوت» لا تقتصر على شدّة ارتفاعه ومقدار رنينه، بل تشمل أيضاً صفاءه، وطريقة التنفّس التي تسهم في إبراز جماليّته وعذوبة رنّته. إضافة إلى أهمّية النطق الصحيح الذي يوجب التفخيم أحياناً، ويسترعي الانتباه إلى مخارج الحروف...
تتوقّف «قوّة الصوت» إذاً على مستوى الأداء بما يلزمه من شروط على الصعيد الغنائي من جهة، وعملية استخراج الصوت من مصادر مختلفة (الرئتان، والحنجرة، والخيشوم...) من جهة أخرى. نجحت رويدا عطية في هذا «الامتحان» الصعب، مثبتةً حرفيّتها، لكنّها لم تتجلَّ بسبب تحرّكها شبه الدائم على المسرح.
إلى ذلك، لم تتح لها الأغنيات المجزوءة (في «المدليز» medleys تحديداً) الفرصة لإبراز قدرتها على التطريب. غَردَت صاحبة «شو سهل الحكي» في محطّات غنائية معدودة: «يانا يانا»، و«زيّ العسل» (الأغنيتان من ألحان بليغ حمدي)، و«أخدوا الريح» (من ألحان مطر محمّد)، و«موّال لبنان» (الأخوان رحباني)... الحفلة التي ما زالت أصداؤها حاضرة في أذهان من كانوا على الموعد في قصر المير بشير، كانت ناجحة في معظمها. لو تنبّه المخرج والمايسترو أثناء التمارين والاستعدادات إلى المسائل المذكورة آنفاً، لكانت الحفلة ممتازة حتماً.