غزة | بعد مضي أربعة أعوام على عرضه للمرة الأولى، عاد شريط «مغارة ماريا» (2007) لبثينة كنعان خوري إلى الصالات. الفيلم الذي طرح ملف جرائم الشرف في المجتمع الفلسطيني، عرض منذ فترة في «الهيئة الملكية الأردنية للأفلام». لم تنته صلاحية الشريط بعد للأسف. القتل على خلفيّة قضايا الشرف ما زال جارياً بدم بارد، في المجتمع الفلسطيني.في فيلمها السابق «نساء في صراع» تناولت خوري حياة الأسيرات بعد خروجهنّ من السجون. أمّا قصّة ماريا، بطلة فيلمها الأخير، فسمعتها المخرجة مراراً وتكراراً على لسان نساء قرية الطيبة، حين كانت طفلة. بقيت الحكاية المأساوية تطاردها إلى أن قررت سردها في فيلم تسجيلي. تعود قصّة مقتل ماريا إلى عام 1936. بعدما رآها أهل القرية ممتطية جواداً خلف راع كان يعمل لدى عائلتها، قرروا «إعدامها». ولتنفيذ الحكم، استعانوا بالثوار الذين كانوا يحتكرون السلاح في حينه...
لكن بعد وفاة ماريا، اكتشفت نساء البلدة براءتها من التهم التي كيلت لها، لتصير حكايتها قصة على كلّ لسان. ومن خلال ماريا، فتحت خوري ملف جرائم شرف حصلت في المجتمع الفلسطيني خلال الأعوام الماضية. تتعقّب المخرجة مثلاً قصّة مقتل هيام ابنة بلدة دير جرير بعد «الاشتباه» في وجود علاقة بينها وبين مهدي ابن الطيبة. إذ سممت الشابة، وأحرق أقاربها منزل مهدي ومنازل لأقاربه. الحكاية الثالثة في الشريط تسلّط الضوء على فتاة طعنها شقيقها عدّة طعنات، لكنها لم تمت. صوّرت المخرجة الجاني وهو يتحدث عن ندمه على ما حدث، مشيراً إلى دور العادات الاجتماعيّة في دفعه إلى تنفيذ فعلته. أمّا عبير، فقد أعدت أغنية خاصة عن جرائم الشرف لدى الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، وكان من المفترض أن تغني مع فرقة «دام». لكنّ تهديدها بالقتل حال دون تحقيقها لهذا الحلم... إذ منعتها عائلتها من الصعود إلى المسرح وأداء الـ«هيب هوب» خوفاً من «كلام الناس».
الكشف عن تلك الحقائق الخفية واكبه سرد أكثر جمالية على لسان الجدّات الفلسطينيات. لكن كيف تقبّلت تلك المسنّات الحديث عن قضيّة بهذه الحساسية؟ تقول خوري إنّها احتاجت إلى وقت طويل لإقناعهن، وإنّ تأثرهنّ بتلك الجرائم كان عاملاً قوياً في نجاحها بذلك.
يكشف الفيلم قصصاً مؤثرة، لكنّه يفتقر إلى الأرقام والإحصائيات. والسبب بحسب المخرجة هو عدم توافر إحصائيات دقيقة، لأنّ تلك الجرائم تنفّذ تحت الطاولة. لهذا كان للشريط وقع الصدمة في الداخل الفلسطيني، إذ تعرّضت خوري لتحطيم كاميرتها، وتفتيش بيتها مراراً، وإلى تهديدات متواصلة بالقتل. حاز «مغارة ماريا» جائزة «المهر الفضي» عن فئة الأفلام الوثائقية في «مهرجان دبي السينمائي» عام 2007. لكنّ خوري ترى أن جائزتها الحقيقية حصول جمعيات نسائية على قرار بإلغاء العذر المخفّف عن مرتكب جرائم الشرف. وقد استخدمت تلك الجمعيات فيلمها وسيلة للضغط.