بات الخبر مؤكداً: نقابة المحررين اللبنانيين دخلت في غيبوبة لن تخرج منها قريباً. أقلّه هذا ما يمكن استنتاجه بعد مرور أكثر من سنة على وفاة ملحم كرم (22 أيار/ مايو 2010)، إذ ذهبت كل أحلام التغيير سدىً، بعدما تفادى مجلس النقابة اختيار نقيب جديد.اليوم، يعترف كل المقرّبين من النقابة بأن المشكلة الحقيقية التي منعت انتخاب خلف لملحم كرم هي الصراع الماروني ـــــ الماروني في ظل تنافس أعضاء المجلس الموارنة على المنصب «كان مستحيلاً إجراء أي عملية انتخابية» يقول مصدر مطّلع على شؤون النقابة. وبالفعل، رفض كل من طانيوس دعيبس، وحبيب شلوق، وجوزيف قصيفي، ومنير نجّار الانسحاب من المعركة أو التوافق على اسم واحد. وهو ما أدى إلى تطيير كل جلسات الانتخاب. قد تبدو هذه الصورة سوداوية إلى حدّ كبير، لكن الوضع يزداد سوءاً إذا علمنا أن بعض أعضاء المجلس يعيدون طرح السيناريو القديم ـــــ الجديد نفسه: انتخاب ثائر ملحم كرم نقيباً للمحررين خلفاً لوالده، بعد ضمّه إلى المجلس.
إذاً كل الاحتمالات واردة، وإن كان مقربون من النقابة يرجّحون بقاء المنصب شاغراً حتى انتهاء ولاية المجلس الحالي في أيار (مايو) المقبل. وإذا كان غياب النقيب هو مشكلة أساسية، فإن المجلس قام بخطوات محدودة لتعويض هذا النقص. هكذا، اكتفى بإصدار بيانات الشجب والإدانة لعملية صرف الصحافيين من مؤسساتهم، أو استنكار الاعتداء على هذا المراسل أو ذاك. وفي محاولة لترميم العلاقة بين الصحافيين اللبنانيين ونقابتهم، دعا المجلس كل المحررين إلى تقديم اقتراحاتهم المتعلقة بتعديل النظام الداخلي. لكن طبعاً، لم تلقَ هذه الدعاوت آذاناً صاغية بسبب الثقة المفقودة بين الطرفَين منذ أكثر من خمسين عاماً.
هكذا قرأنا النص المعدّل للنظام الداخلي الذي غابت عنه الإصلاحات المنتظرة التي وعد بها المجلس. وكرّست التعديلات سلطة النقيب والمجلس على المحررين، فنقرأ مثلاً في الفقرة «ج» من المادة الثانية عشرة «تتم إحالة المحرِّر على المجلس التأديبي في حال التعرّض لنقيب المحررين أو المجلس أو أي من أعضائه بهدف الإساءة والتشهير وعدم سلوك سبل المراجعة لدى المجلس». كذلك تنصّ المادة الحادية والعشرون على أنّه «يحق لنقيب المحررين أن يستعين بقوى الأمن لفرض النظام في الجمعيات العمومية...».
وإذا كان النظام الجديد حاول إصلاح الأخطاء التي وقعت فيها النقابة في السابق، فإنها حتى الساعة لم تلجأ إلى تطبيقه، مثلما ورد في الباب الثاني من المادة الثالثة الذي يقضي بحذف اسم كل صحافي عن الجدول النقابي إذا لم يعد يزاول المهنة. والمعروف أن القسم الأكبر من المسجّلين حالياً في الجدول هم من خارج العاملين في الصحافة، وقد عمل ملحم كرم طوال العقود الخمسة التي ترأس فيها النقابة على التعتيم على الجدول وإخفائه عن الصحافيين خوفاً من فضح هذه التجاوزات.
إلى جانب كل ما سبق، تبرز مشكلة إضافية تعوق عمل النقابة وتمنعها من استعادة عافيتها وممارسة دورها الطبيعي: الصراع الخفي والقديم بين نقابة المحررين ونقابة الصحافة، أو الأصح بين نقابة المحررين و... نقيب الصحافة محمد البعلبكي رئيس الجدول النقابي الذي يضم الأعضاء المسجّلين في النقابتَين، إذ إن هذا الأخير مُتّهم منذ سنوات بمحاولة وضع اليد على نقابة المحررين. «محمد البعلبكي يرفض حالياً فتح الجدول النقابي للسماح للمحررين بالدخول إلى نقابتهم» يقول مصدر من داخل مجلس نقابة المحررين. أما السبب فهو «أنّ انتخابات نقابة الصحافة في نهاية العام، ولا يريد البعلبكي أي بلبلة في هذه الفترة أو أي حادثة قد تعكّر صفو إعادة انتخابه». وكان الصراع بين مجلس المحررين والبعلبكي قد برز في أكثر من مناسبة خلال الأشهر الماضية. ولعلّ أبرزها حرب البيانات بين الطرفَين في شهر نيسان (أبريل) الماضي، والمتعلّقة بـ... عطلة عيد الفصح.
كذلك، فإن نقيب الصحافة يرى أنّ لا شرعية لمجلس المحررين لأن أغلب أعضائه من المديرين المسؤولين في المطبوعات اللبنانية، وهو ما يخالف النظام الداخلي لنقابة المحررين، إذ ينبغي للمدير المسؤول أن يكون عضواً في نقابة الصحافة. لكن المجلس وجد حلاً لهذه المشكلة فأدرج في تعديلات النظام الجديد ما يأتي «يحق للمدير المسؤول أن يكون عضواً في مجلس نقابة المحررين على أن لا يتولى مسؤولية أكثر من مطبوعة».
إذاً، تبدو نقابة المحررين مشغولة بمشاكلها الداخلية، أما قانون الإعلام، وحقوق الصحافيين، وغيرها من الملفات الشائكة، فمؤجلة... إلى وقت لاحق.



صندوق ممتلئ

قد تكون نقابة المحررين اللبنانيين من النقابات الغنية في لبنان، فصندوقها يحتوي على أكثر من ثلاثة ملايين دولار، مصدرها وزارة الإعلام اللبنانية (تقدّم 450 مليون ليرة سنوياً)، ودول الخليج وخصوصاً الكويت، وسلطنة عمان، والمملكة العربية السعودية. ومن المتوقّع أن تنخفض نسبة «الهبات» الموجّهة للنقابة في الفترة المقبلة، بعدما أوقفت السعودية وعُمان مساعداتهما بعد وفاة ملحم كرم قبل أكثر من عام. ويذكر أن المجلس قد اشترى أخيراً مقرّاً خاصة بنقابة المحررين في منطقة الحازمية (شمالي بيروت)، بعدما شغل لعقود طويلة طابقاً في مبنى يملكه ملحم كرم في منطقة الأشرفية.