طوال تاريخها، تميّزت «أسرة الأدباء والكتاب في البحرين» بأمرين. أوّلهما اسمها المختلف عن مسميّات مثل «رابطة» و«اتحاد» الشائعة عربياً. واختيار مسمّى «أسرة» عند تأسيسها عام 1969، جاء تحايلاً على منع تأسيس الاتحادات تلك الأيام، بسبب رعب السلطة من الأطر التي تنتظم فيها شرائح من الشعب للتعبير عن موقف أو الدفاع عن قضايا. وكانت قد سيطرت على الروابط والاتحادات ذلك الحين، جماعات اليسار الطليعية، أو العروبية المتأثّرة بمصر الناصريّة، والبعثين السوري والعراقي.ثاني ميزات الأسرة أنّها كانت عصية على كل محاولات التطويع، والتدجين، والاحتواء. لم تكسر السلطة يوماً إرادتها. وكانت باستقلاليتها وتفردها وعلو صوتها الحر، تتجاوز القوى التي تنتظم في «اتحادات» سياسيّة.
بعض المؤسسين يسرّون إلينا بأنّهم تعهدوا حينها أمام حاكم البحرين الراحل الشيخ عيسى آل خليفة، بعدم تدخل الأسرة في النشاط السياسي. مع ذلك، بقي أفراد الأسرة منهمكين في نضالهم السياسي، الشيوعي، والناصري والبعثي أيضاً. لاحقاً، وبعد انشطار النص الأدبي العربي في فضاءات الحلم وما بعد الحداثة، حافظ النص البحريني على سخونته المميزة. وبقيت نصوص الأدباء البحرينيين تضخّ مخزوناً مختلفاً عن كلّ سياقات الأدب في دول الخليج، سواء في القصة والشعر، أو في المسرح والنقد والسينما، مقارنةً بطبيعة النص الأدبي في السبعينيات والثمانينيات. النبرة الرفضية الحذرة تجاه كل ما هو سلطوي وحكومي، ستبقى حاضرةً في نصوص الأجيال البحرينية المتعاقبة. تراث الرفض قديم في هذه الجزيرة، سواء بسبب عزلتها الجغرافية، أو طبيعتها الديموغرافية، أو بحكم العلاقة المركّبة بين المثقّف والسلطة التي يصفها قاسم حداد أدبياً بـ«علاج المسافة». مسافة جعلت الأديب البحريني يحتفظ بشرنقته، ويبقي على قدر معيّن من الاستقلالية عن الحكم، يسمح له بالتنفس. ونقل أحدهم أنّ الملك نفسه، وقد شعر بذلك القلق الذي يشوب علاقة مثقفي الأسرة بالدولة ـــــ رغم أنّ مستشاره الأبرز كان جابر الأنصاري أول رئيس للأسرة ـــــ قرر تقديم بيت يكون بمثابة مقرّ للأسرة. وقال مطمئناً: «لا نريد من المثقف شيئاً في المقابل، سوى أن يمارس إبداعه ورأيه بحريّة». ويروي زميل عربي، ممن حضروا اجتماع المكتب الدائم في الكويت عام 2010، أنه عند مناقشة تقرير الحريات، وفيما كانت الاتحادات الأخرى تدافع عما تسميه «إنجازات» حكوماتها في حرية التعبير، تميز وفدا البحرين والأردن فقط بأنهما سميا الأشياء بمسمياتها. وتحدث الوفدان عن مصادرة الكتب، ومنع المدونات، وتدخّل الدولة في الإعلام.
هذا هو تاريخ «أسرة الأدباء والكتاب في البحرين». غير أنَّ ما حدث منذ انعقاد الجمعية العمومية الأخيرة في 10 حزيران (يونيو)، ينذر ببداية دخول هذه الهيئة العريقة إلى بيت الطاعة. فرضت السلطة إدارة جديدة للأسرة، مكان الإدارة المستقيلة، وقررت تغيير اسمها من «أسرة» إلى «اتحاد». نشر البيان الصادر عن هذه الهيئة في الصحف، وفيه كلامٌ ملغوم عن «ضرورة تحالف المثقف مع الدولة لمواجهة الرجعية الدينية». ويندرج هذا التحالف تحت فوبيا تنظيم «القاعدة» حيناً، أو التهويل بولاية الفقيه حيناً آخر.
من الواضح أنّ «الأسرة» دفعت ثمن مواقفها الداعمة للتظاهرات والاحتجاجات الشعبيّة الأخيرة في البحرين، ما قاد السلطة إلى فرض إدارة جديدة معلّبة. قد يكون هذا المنعطف الخطير نتيجة حتميّة للرعب المسيطر على المملكة اليوم، مع بروز ظاهرة الاستدعاء على الظنة والإشاعة. فقد أمعن بعض الأدباء طعناً بزملائهم المثقفين في وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة، بذريعة أنهم «مخطوفون من حركة الدوار، ومتآمرون مع مشروع ولاية الفقيه». اتهامات دفعت بالإدارة السابقة إلى الاستقالة تهرباً من أيّة مواجهة، ما مهّد الطريق لقيادة جديدة، مفروضة بقوة السلطة. وانتخبت الجمعيّة العمومية الأخيرة مجلس إدارة جديد للسنتين القادمتين، برئاسة ابراهيم بوهندي. وقد تناقلت وسائل الإعلام بيان الإدارة الجديدة، مع ما تضمّنه إدانة «التدخل في السياسة من قبل الإدارة السابقة». وهذا مؤشر على أن القادم من تاريخ هذه المنظمة العتيدة، سيكون مظلماً. يبدو أنها من الآن فصاعداً، ستصبح درعاً من دروع الحفاظ على الأمر الواقع.
إنها حقاً لمفارقة: في الوقت الذي تخرج فيه الجماعات الثقافية في مصر وتونس واليمن وليبيا من طوق الأنظمة والأحزاب، نجد جماعة مستقلّة بعراقة «أسرة الأدباء والكتّاب في البحرين»، تضحّي بتراث ضخم من الحريّة، وتسلّم أقلامها، وتدخل حظيرة النظام مغلوبة على أمرها، مكسورة الجناح... ما الذي يفعله مثقّفو البحرين؟ ألا يستحقّ الأمر نداء استغاثة؟
في الطليعة
منذ تأسيسها في عام 1969، تناوب على إدارة شؤون «أسرة الأدباء والكتاب في البحرين» جيل من المبدعين والكتّاب والشعراء الذي أسهموا أيضاً في ولادتها. من بين هؤلاء الشاعر قاسم حداد، وإبراهيم غلوم، وعلوي الهاشمي، وعلي الشرقاوي، وإبراهيم بوهندي، وعلي خليفة، وحمدة خميس، ومحمد ملك، وعبد الله خليفة، وأحمد الشملان، وفوزية رشيد، وأمين صالح، ويوسف الحمدان وغيرهم. لقد تعمّدت نصوص هؤلاء بالرفض، ولم يساوموا لحظة على مبادئهم وقناعاتهم، ولم يتراجعوا في معارك عن حرية التعبير، ورفض الإنسياق وراء سياسات التدجين.
كان هؤلاء في طليعة مناهضي التعسّف السياسي، والمتصدّين للجور والظلم بكل أشكالهما...
4 تعليق
التعليقات
-
اسرة الادباء ونهاية عصر الثقافة في المنامةجميع الدول التي تحترم شعوبها تحترم مكوناتها الثقافية والانسانية ولا تدخلها ضمن بؤرة التوتر السياسي.. لكننا اليوم أصبحنا أمام آلة عسكرية تدير بلاد بأكملها متناسية بأن هناك شعب ومكون معرفي وثقافي داخل هذا الشعب, هذا ما يحدث الآن في البحرين وكان آخرها محاولة إقحام وإسقاط أعمق كيان ثقافي على مستوى الخليج العربي (أسرة الأدباء والكتاب)، هذا الكيان الذي تأسس تحت نضالات الشعراء والكتاب البحرينيين الذين ذاقوا عذابات السجون ولوعة الظلم فكانت المسافة.. تلك المسافة الفاصلة بين السلطة والأديب البحراني الحقيقي وليس الأديب المستشار، وما حدث في هذا الإنقلاب ما هو الا دليل على أن هذه السلطة التي جعلت الطبيب يعترف بأنه مجرم، وأبنة الشهيد تقول (هذا ليس أبي- بل شبه لي) مؤكد ستجعل الأدباء اليوم تحت مجهر الكاميرا وتحاسبهم في برامجها الراصدة، وقد فعلتها وهاهم من خرجو على شاشة التلفزيون يقومون بإنقلابهم على ذواتهم قبل الكيان الثقافي (أسرة الأدباء والكتاب) ليصنعو كيان جديد مرتمي في احضان السلطة، ألا يكفيهم تلك الملتقيات التي يسيطرون عليها، لم تكفهم كل تلك المحاولات لأن عين السلطة على الأسرة وتريد أن تخضعها وتركعها وتغيرها إلى إتحاد، وها هي تنجح كي تكون مجرد إتحاد وبوق يجتمع مع كل الإتحادات العربية ويغردون لسلطاتهم القامعة ويدللونها ويتغنون بنخيلها بوطنية كاذبة.. جميل أنهم غير اسم الأسرة كي لا يتلوث بأيديهم لكنه سيعود ويعود بقوة الأدباء والشعراء الذين يحاكمون اليوم على حرية تعبيرهم إما بالفصل أو الإعتقال أو العزل..
-
لا أعلم كيف يمكن أن يذهبلا أعلم كيف يمكن أن يذهب المثقف باتجاه السلطة إلى هذه الدرجة، بالتأكيد نحن في الطرف الآخر نتفهم اختلاف بعض المثقفين مع ما تطرحه الثورة في البحرين، ولكن أن يلوّح مثقفون بورقة (محاسبة) في شأن الإدارة السابقة وبياناتها المناصرة للحرية والداعمة لمطالب الشعب والمستنكرة لجرائم النظام، ونحن نعرف ماذا تعني كلمة (محاسبة) حين نقارنها بما حدث في البحرين ضد أعضاء جمعيات ونقابات، فالمحاسبة تعني الخطوة الأولى للتحقيق ومن ثم الاعتقال والتعذيب، وهذا ما لا نفهمه، كيف يمكن لمثقف.. أن يدعو بكل وقاحة إلى كل هذا ضد أشخاص كانوا أصدقاء له، ومن أجل ماذا بالتحديد؟ ثم أي إدارة هذه التي تقوم على التهديد والوعيد، وأي انتخابات هذه التي تقام في ظل سطوة ظل الجهاز الأمني ويده القمعية، نحن بالتأكيد نرى أن هذه الانتخابات لاغية.. ليس فقط لأنها لم تكمل النصاب القانوني، ولكن وهو الأكثر أهمية أقيمت في ظل عدم طمأنينة أغلبية أعضاء الجمعية العمومية.. بالرغم من هذا.. فأنا من جهتي أدعو هذه الإدارة إلى مراقبة الوطن في اتخاذ قراراتها القادمة.. الوطن لا باعتباره ملكاً لعائلة معينة، بل الوطن بحسب مفهوم الإنسان.. جهد مميز أيها الأمين.. نشكرك عليه فعلاً، ونشكر للأخبار اللبنانية متابعاتها الثرية للشأن البحريني. مهدي سلمان - شاعر ومسرحي من البحرين.
-
يبدو أن كلمة السرّ في هذايبدو أن كلمة السرّ في هذا المقال هي " الرفض " وإذا ما بحثنا عن المعنى المتواري الذي " نتّقيه " فإننا سنزيح ستار الغموض . إن تمجيد "الرفض"و "الرافضة" .. يستدعي أن "ينصب" "النواصب" أعواد المشانق . وأنا أرفض كل ذلك باعتباري "وسطيا"
-
مثقفو البحرين وا الثورة الشعبيةهذا التحليل جيد :لكن تنقصه الدقة:كانت بالفعل أسرة كتاب البحرين معارضة في السبعينات وكان صوتها عاليا لكن مواقفها منذ أوائل التسعينات : سارت في مسارين: الأول هو حين استعملتهم السلطة ضد التيار الاسلامي الشعبي وتقديم أنفسهم كليبراليين من أجل إرضاء لتيار التأمرك والتأسرل الثقافي. أما المسار الثاني فهو أنهم سكتوا عن قمع التيارات الأخرى ختى قاسم حداد وأمين صالح وعلوي الهاشمي ومحمد جابر الأنصاري وغيرهم اندمجوا في هذا المسار. ووقفوا ضد الثورة الشعبية في البحرين.