أول من أمس، انتظرنا حلقة مشوّقة من برنامج «مهمة خاصة». كان يُفترض أن تنقلنا مراسلة المحطة في بيروت عليا إبراهيم إلى عالم المدوّنين السوريين، والمشاكل التي تعترض عملهم وسبل التحايل على الرقابة التي يفرضها النظام على مواقع التواصل الاجتماعي. أقلّه هذا ما أوحى به الإعلان الترويجي للبرنامج.لكن الحلقة التي حملت عنوان «عدوى الثورة» (27 دقيقة) جاءت مخيّبة للآمال: لم نشاهد سوى مقابلة مع مدوّن سوري واحد هو ملاذ عمران المقيم في لبنان. وهو المدوّن نفسه الذي شغل المحطات الفضائية في الأسابيع الماضية، فأطل على cnn ثم على «الجزيرة الإنكليزية». هكذا استمعنا إلى قصة هذا المدوّن الشاب (27 عاماً) طيلة الحلقة تقريباً.
لا شكّ في أنّ ما رواه عمران، واسمه الحقيقي رامي نخلة (كما توضح الحلقة)، يكشف الكثير عن معاناة المدوّنين السوريين خلال السنوات السابقة. إذ لوحق ملاذ عمران طيلة سنة كاملة بسبب نشاطه على الإنترنت، ودخل مراكز التحقيق كلها كما يقول، إلى أن تمكّن من دخول الأراضي اللبنانية بطريقة غير شرعية «على يد عصابات طلبت منّي مبلغ 1500 دولار» كما يوضح في الحلقة. وفي لبنان، بدأ هذا الشاب نشاطه الحقيقي على الشبكة العنكبوتية، «ليقضي 20 ساعة يومياً أمام شاشة الكومبيوتر» تقول لنا إبراهيم. ومع بدء الاحتجاجات الشعبية في سوريا، كثّف الشاب تحرّكه الافتراضي، مما جعله عرضة لحملة شرسة شنّها عليه ناشطون موالون للنظام، وصلت حدّ اتهامه بالعمالة لإسرائيل. أما ما لم يقله المدوّن الشاب، فلم تتردّد عليا إبراهيم في قوله، فتحدّثت عن دخول الأجهزة الأمنية السورية على خطّ المواقع الاجتماعية «كما حصل في الصين، و... إيران طبعاً».
تشبه قصة ملاذ عمران قصصاً كثيرة في عالمنا العربي. قصص تختصر الغضب المتراكم عند كثيرين إزاء الطبقة الحاكمة، لكنها حتماً لا تختصر عالم التدوين السوري.
وإن كانت القناة قد سعت إلى الإضاءة على الناشطين المعارضين، وإعطاء صدقية للصور والأشرطة التي تبثها الفضائيات العربية نقلاً عن المدونين، كان لا بدّ لها من إجراء مقابلات مع مدونين خارج، و... داخل سوريا، كما حصل أيام الثورتَين المصرية والتونسية. لا يمكن ناشطاً يعيش في لبنان أن يقنع الجمهور بأنه على دراية بكل ما يجري في الشوارع السورية. وإن كانت «العربية» خائفة على أمن مدوّني الداخل، كان يمكن إخفاء وجوههم وتمويه أصواتهم، كما فعلت مع ملاذ عمران نفسه في الرابع والعشرين من آذار (مارس) الماضي. لكن يبدو أن المحطة اختارت طريقاً آخر، فاستعانت بمدوِّنة مصرية (نورا يونس) وأخرى يمنية (أفراح ناصر) وآخر لبناني (تريلا) ليتحدّثوا عن أهمية التدوين في العالم العربي. باختصار، انتظر كثيرون أن تنقلنا الحلقة إلى ذاك العالم السري والمشوّق للتدوين السوري، لكن اتّضح أن «عدوى الثورة» لم تنتقل إلى الفضائية... السعودية.