فنانة الكوميكس الشابة تسلّلت إلى ذاكرة أمّها... النتيجة سيرة بعنوان «مربّى ولبن»، تجمع بين الذاتي والسياسيعلى طريقة مرجان سترابي التي روت سيرتها عبر الشرائط المصوّرة في «برسيبوليس»، سعى فنّانون شباب إلى تشريع الكوميكس ليتسع لمذكراتهم الشخصيّة. في كتابها المصوّر «مربّى ولبن ـــــ أو كيف أصبحت أمّي لبنانيّة»، تخوض لينا مرهج (1977) غمار السيرة، جامعةً بين الذاتي والسياسي، بين أساطير عائلتها ويومياتها الراهنة. تكتب الرسامة اللبنانية على إحدى صفحات الألبوم أنّه «بحث مبنيّ على الترابط بين ذكريات تأتي من حيث لا أدري...». وبالفعل، تأخذ صفحات الكتاب شكل ومضات. لكنّ المؤلّفة تتقاسم البطولة هنا مع السيدة فالي، والدتها.
تتبع الابنة مشوار أمّها بين فيينا، وبرلين، ولبنان. إنّها قصّة مشوّقة، عن امرأة استثنائية، مارست الطب في ظروف صعبة، وتزوّجت مرتين، وربّت خمسة أولاد، ووجدت الوقت للعمل الخيري وأشياء أخرى. تطغى هذه الحبكة على صفحات «مرّبى ولبن»، وتعبر في خلفيّتها ذكريات الحرب الأهليّة اللبنانية.
نشرت مرهج بعض فصول «مربّى ولبن» في «السمندل». إصدارها مجلّة الكوميكس مع فنانين شباب، سمح لها بتطوير أسلوبها المرتكز على الفكاهة الناعمة، وكوميديا الموقف. يمتدّ ذلك إلى صفحات الكتاب، حيث يبرز اهتمام مرهج بالمعنى الكامن بين النصّ والصورة، وهو «بُعد غنيّ جداً» برأيها، «لأنّ مؤلف الكوميكس يكون قادراً على التلاعب به وقولبته وقول أمور يصعب قولها بالوسائط الأخرى». لتحقيق ذلك، تنسج خيوط قصّة مشوّقة، بعدما استنطقت والدتها عن مراحل تحوّلها من أوروبيّة إلى شرقيّة، تجيد طبخ الكبة، وتحذّر ابنتها من الزواج بأجنبي. ترسم بالأبيض والأسود، ما هو أشبه بـ Story Board لفيلم تحريك قصير، فتلجأ إلى تقنيات المونتاج والفلاش باك، وتدخلنا الحكاية في يوم قصف، لنخرج منها على تمثال المغترب اللبناني.
تعاطي الفنانة مع الذاكرة متخم بالتفاصيل. «جاط» العنب في ثلاجة أمّها يحتلّ صفحة كاملة، فيما تتوزّع نظّارتها ورسائلها على صفحات أخرى. تمجيد التفاصيل أغنى الكتاب، لكنّه أثقله بنبرة تفسيريّة زائدة. القارئ قد لا يضطر إلى استعمال خياله، ذلك أنّ لينا رسمت له كلّ شيء.