بغداد | معركة جديدة تخوضها الصحافة العراقية ضدّ القمع الذي يطاول الناشطين المدنيين. وآخر فصول الاعتقالات التعسفية، كان إلقاء القبض على أربعة من أعضاء «شباب شباط» وهم في طريقهم إلى ساحة التحرير في بغداد للتظاهر. وقد ألقي القبض على كل من مؤيّد فيصل الطيب، وجهاد جليل، وأحمد علاء البغدادي، وعلي عبد الخالق الجاف، ثم نقلوا بسيارة إسعاف إلى مكان مجهول، تبيّن في ما بعد أنه سجن مطار المثنى في العاصمة العراقية.
وبعد ثلاثة أيام من عملية الاختطاف، هاجمت الأجهزة الأمنية مقرّ منظّمة «أين حقي»، واعتقلت 11 عضواً من «هيئة تنسيق الحراك الشعبي»، ليطلق سراحهم بعد أيام قليلة.
لا يبدو أن حكومة نوري المالكي تنوي الاستجابة إلى مطالب العراقيين الذين يواصلون احتجاجاتهم الشعبية، بل اختارت الطريق المعاكس، فشدّدت محاصرتهم. لكن الصحافة العراقية دخلت هذه المرة صلب المعركة، ورفعت لواء الدفاع عن المعتقلين الأربعة. هكذا انتقد عدد من الصحافيين الارتباك الواضح في التصريحات الحكومية حول أسباب اعتقال الشبان الأربعة، خصوصاً ما أعلنته «قيادة عمليات بغداد» عن هذا الموضوع. إذ أطلّ الناطق الرسمي بإسم القيادة اللواء قاسم عطا نافياً علمه بحادثة الاعتقال. ثمّ عاد وأعلن أمام وسائل الإعلام أن التهمة الموجهة إلى الناشطين الأربعة هي «التحريض على العنف». ليكتشف العراقيون أخيراً أنهم أُحيلوا إلى قاضي التحقيق بتهمة التزوير وفقاً لقانون العقوبات لأنّهم يحملون هويّات مزوّرة! واستمرّت المعركة بين الإعلام والأجهزة الأمنية إلى ان أطلق سراح الأربعة الثلاثاء الماضي.
وقد ذهب بعض الصحافيين بعيداً في انتقاد التضييق الذي يتعرّض له المتظاهرون. وكتب سيف المهندس في جريدة «الصباح الجديد»: «ما مصير حلمنا ببناء نظام جديد لا مصادرة فيه للآراء ولا تغييب لشباب البلاد في المعتقلات على الطريقة «الصداميّة» أو «القذافيّة»؟ مؤيّد فيصل الطيب ومعه جهاد جليل، وأحمد علاء البغدادي وعلي عبد الخالق الجاف، لم يرتكبوا جُرماً في العراق «الجديد» (...) لعلّ جرمهم الأوحد هو (...) أهزوجتهم المعروفة: «تكميم الأفواه باطل، كاتم أصوات باطل»».
نفس النبرة الانتقادية نجدها في مقالات رئيس تحرير جريدة «العالم» سرمد الطائي، الذي كتب في مقالته «أيضاً... لن نسكت عن هذا»: «المشكلة التي تواجه الحكومة انّ (...) محاولة صناعة بذرة الاستبداد السلطاني (...) هي محاولة في مكان وزمان خاطئين... عروش المؤسّسات العتيدة تتهاوى من حولنا لأنّها لم تراع مزاج إنسان القرن الحادي والعشرين...». من جهة ثانية، ذهب عدنان الفضلي، في مقالته «بشرى هذا جهاز!» المنشور في «البينة الجديدة» الى أنّ الاجهزة الأمنيّة قد «فشلت في كشف السيّارات المفخخة، لكنّها نجحت في التعرّف عن بعد إلى أربع هويّات مزوّرة».
ومع إطلاق سراح الشبان لم تخفت حدّة اهتمام الصحافة بقضيتهم. بل تابعت مؤتمرهم الصحافي، وركزت على أن السلطات الامنية طلبت منهم الظهور في تسجيل متلفز يدينون فيه تظاهرات ساحة التحرير! معركة جديدة ربحتها الصحافة العراقية... لكن لا شك في أن الإعلاميين يدركون جيداً أن معركتهم هذه هي جزء صغير من حربهم الطويلة ضد الديكتاتورية و... الاحتلال.