الدار البيضاء | بعد أكثر من شهر على اعتقاله (28 نيسان/ أبريل الماضي) أصدرت المحكمة الابتدائية في الدار البيضاء حكماً بسجن الصحافي رشيد نيني لمدة سنة، وتغريمه مبلغاً قيمته ألف درهم (128 دولاراً تقريباً). وجاء الحكم مفاجئاً للشارع المغربي الذي بقي متأمّلاً أن يطلق القضاء سراح «القلم الأحمر» في ظلّ وعود السلطة المتكررة، بتوسيع هامش الحريات، والحدّ من عمليات التضييق على الصحافيين. وكان الأمن المغربي قد اعتقل نيني بعد سلسلة مقالات صحافية انتقدت الفساد داخل بعض المؤسسات الرسمية، من بينها المؤسسة الأمنية. كما أنّه طالب بإلغاء ما يعرف بـ«قانون الإرهاب». أما التهم الموجّهة إليه وفق ما جاء في القرار القضائي، فهي: «تبليغ السلطات العامة عن جرائم يعلم بعدم حدوثها»، و«التأثير على قرارات رجال القضاء قبل صدور أحكام غير قابلة للطعن عن طريق كتابات علنية»
، و«تحقير مقررات قضائية من شأنها المساس بسلطة القضاء واستقلاله عن طريق كتابات علنية».

وكانت هيئة الدفاع عن مدير نشر جريدة «المساء»، قد انسحبت من الجلسات القضائية بسبب محاكمة موكلها وفق القانون الجنائي لا قانون الصحافة. وقال عضو هذه الهيئة، المحامي خالد السفياني إن الحكم الصادر «جائر ولا يبشر بالخير أو بحدوث تغيير حقيقي في المغرب». وأضاف: «هذه إشارة سلبية جداً إلى كل ما يروّج له حالياً عن الرغبة (...) في استقلال القضاء... إنها محاكمة سياسية، ومن حرّك الملف هم مسؤولون لا يريدون أي تغيير في المغرب».
إلا أن انتقاد هذا الحكم لم يقتصر فقط على هيئة الدفاع، بل مثّل مفاجأة بالنسبة إلى عدد كبير من الصحافيين والمثقفين والمواطنين. إذ تحوّل عمود نيني «شوف تشوف» إلى أيقونة وعلامة مسجلة في المشهد الإعلامي المغربي، لمزجه بين السخرية وسرد الوقائع. ورغم أن رشيد نيني خلق لنفسه خصوما كثيرين في الوسط الإعلامي، فقد جعل اعتقاله حتى هؤلاء يتضامنون معه وينددون بالحكم القضائي. وتجدر الإشارة إلى أن كتابات «الفتى المدهش» للصحافة المغربية لم تطبعها يوماً الراديكالية المفرطة، كذلك لم يتطرّق إلى المواضيع المحرّمة، ولم يمسّ المؤسسة الملكية. لكن بعض المراقبين للوضع الإعلامي في المغرب، يرون أن الصحافي الأربعيني (1970) اقترب كثيرا من مراكز نفوذ استعملته في تصفية حساباتها الشخصية. وهو ما جعل قسماً من أصدقائه الصحافيين يبتعدون عنه، فتفرّغ بدوره لمهاجمتهم في عموده الذائع الصيت. ورغم قساوة الانتقادات والتحليلات التي كان يكتبها، يفتقد جمهور نيني مقالاته. وقد اتّشح عموده في جريدة «المساء» بالسواد، وكُتب فيه «رشيد نيني خلف القضبان دفاعاً عن حرية الكلمة... عودته إلى قرائه حتمية... الصحافة واجبها أن تتكلم».
من جهة ثانية، ترى الناشطة الحقوقية المغربية مريم الدمناتي أنّ محاكمة نيني تفتقر إلى شروط المحاكمة العادلة: «من الواضح أنها حصلت على نحو انتقامي يرضي بعض النافذين في السلطة، وهو ما لا يشرّف المغرب حالياً في ظل الحديث عن فترة انتقالية نحو الديموقراطية». وتضيف: «إن محاكمة الصحافيين ينبغي أن تكون مبنية على قانون الصحافة، لأن أخطاء الإعلاميين لا تجعل منهم مجرمين كي يلاحقوا وفقاً للقانون الجنائي... أعتقد أنّه ما زال أمام المغرب وقت طويل قبل أن تتخلص، نهائياً، من إرث الماضي القاتم، و ذهنيته، في التعاطي مع الصحافيين».
ويذهب المحامي محمد اشماعو أبعد من ذلك، في استنكار الحكم القضائي. عضو اللجنة المؤسسة للدفاع عن رشيد نيني، يقارن بين قضيّة الصحافي المغربي ومحاكمة الكاتب إميل زولا بسبب مقالة شهيرة بعنوان «إني أتهم» (13/ 1/ 1898) يتخذ فيها موقفاً صاخباً من «قضيّة درايفوس» في فرنسا القرن التاسع عشر. ويرى اشماعو تشابهاً بين الحالتين «زولا أحدث أيضاً رجة قوية في قناعات الناس، وواجهته مقاومة شرسة من قبل بعض أطراف السلطة واللوبيات المشككة في أفكاره وطروحاته. واتّهم بالعمالة وتنفيذ أجندات سرية وصدر الحكم بسجنه لسنة قبل أن يفر إلى بريطانيا». ويضيف المحامي المغربي: «إذاً أوجه الشبه بين المحاكمتين عدة، وتحتمل قراءات مختلفة». وبرأي اشماعو، فإن التطاول على حرية التعبير، ولجوء السلطة السياسيّة ـــــ من خلال الضغط على القضاء ـــــ إلى الاعتداء على القانون الذي يكفل المحاكمة العادلة لا يعني الهزيمة: فاضطهاد زولا أسهم في تقوية ركائز الديموقراطية والحرية. ونأمل ألا يكون مساء نيني إعلاناً عن تلاشي حلم اجتمعنا حوله وخلنا أنفسنا لامسنا مسالك تحقيقه».

الرأي العام المغربي: أطلقوا سراح رشيد نيني

مثقّفو المغرب يلتفّون حول الصحافي رشيد نينيسراح رشيد نيني

رشيد نيني: في المغرب أيضاً... يسجنون الصحافيين




أنوزلا أيضاً متضامن

قد يكون الصحافي علي أنوزلا من أكثر المعارضين لأسلوب رشيد نيني، إلا أنّه لم يتردّد في التعبير عن تضامنه التام معه. ورأى أن سجن نيني «إشارة سلبية تظهر تناقض الخطاب الذي تردده السلطة المغربية». وأضاف: «هذه المحاكمة عبثية لأنها لم تحترم أدنى شروط المحاكمة العادلة. كما أن القرار القضائي الصادر هو حكم سياسي يستهدف ترهيب الصحافيين، ». ويذهب أنوزلا بعيداً في موقفه مطالباً بـ « الإفراج الفوري عن نين لأنه لا يعقل ونحن نعيش زمن الثورات العربية أن يبقى المغرب متأخراً، ويستمر اعتقال الصحافيين... على السلطة أن تفرج عن رشيد نيني والمعتقلين السياسيين كافة ».