تنتهي متاعب الإنسان بالموت. لكن فيلم «صرخة نملة» يثبت خطأ هذه المقولة. يستيقظ بطله جودة المصري (عمرو عبد الجليل) على صراخ أمه: «قوم إلحق أبوك». يسألها مذهولاً: «هو مات تاني؟».الأب ميت منذ أمد، لكن الحكومة منحت شركة استثمارية حق استغلال الأرض المدفون فيها الأب. وعلى الابن أن يهرع إلى هناك، يلملم عظام أهله قبل أن تدهسها جرافات الشركة. ينجح الابن في «المهمة»، يجمع عظام والده في جوال ثم ينساه في التاكسي!
هذا المشهد الكابوسي لم يغير من الطبيعة الكوميدية للفيلم الذي أخرجه سامح عبد العزيز. كوميديا سوداء بدا واضحاً أنها تنتمي إلى زمن ما قبل «ثورة يناير». عالج المخرج هذه «المشكلة» بأن دمج مشاهد الثورة في المقطع الأخير من الفيلم. لكن سيناريو طارق عبد الجليل كان واضحاً: البطل يحاول الوصول إلى الرئيس لكشف فساد المسؤولين. يبدو ذلك ملائماً للاسم السابق للفيلم «إلحقنا يا ريس». في النهاية الجديدة، يخترق البطل التظاهرات ويلحق بموكب الرئاسة، يفتح باب سيارة الرئيس فيجدها فارغة.
بين «إنقاذ» الأب وسيارة الرئيس، يحبك السيناريو صورة سوداء لمصر المناطق العشوائية. يعود المواطن المصري جودة بعد غياب عشر سنوات في العراق، ظنه الأهل ميتاً، فتفرقت أحوالهم وذهبت من سيئ إلى أسوأ. اختفت زوجته وفاء (رانيا يوسف) مع ابنه مصري (كريم عبد القادر). شقيقته إيمان (فريدة الجريدي) تزوجت من البائس جميل خرابة (يوسف عيد). يبحث العائد عن زوجته وابنه، ويعثر على عمل في كافيتيريا شعبية تحفل بالعنف الذي يصل إلى حد القتل. ثم يشرق أمل جديد بقرار الحكومة توزيع شركات القطاع العام على الشعب من خلال صكوك ملكية. فكرة شبيهة بما تناوله المؤلف نفسه في «عايز حقي» لأحمد جلال.
هنا تنفذ الحكومة الفكرة التي تتكشف عن خدعة كبيرة: نصيب كل مواطن من الأرباح نصف جنيه مصري في العام. يعجز جودة حتى عن دفع ثمن المشروب الذي تناوله في مؤتمر إعلان الأرباح! يلجأ إلى الاحتجاج القانوني ثم التظاهرات، فيعتقله أمن الدولة، و«يقنعه» بأنه ليس أكثر من نملة. والنملة ينبغي أن تعيش في خرم في الحائط كي لا يدهسها أحد.
أثناء ذلك، تنقطع الكهرباء والماء عن الحي. يلجأ جودة وأهل الحي إلى نائب الدائرة الحاج عبد الستار (حمدي أحمد) الذي يعيش في قصر فخم. يعجب النائب بذكاء جودة فيطلب منه العمل لحسابه كواجهة لأعمال المال والتجارة، تتبدل حياة جودة إلى الأفضل، لكن الثورة تندلع ويبدأ التحقيق مع رموز الفساد، يبحث البوليس عن جودة بينما المالك الحقيقي نائب الدائرة بعيد عن القانون.
كعادته، ينجح سامح عبد العزيز في تقديم خلطة تجارية تراعي الحد الأدنى من فن السينما، ويقدم عدداً من المشاهد الابتكارية الخفيفة الظل. لكن الفيلم يبقى أقلّ من طموح المشاهد سياسياً، وكوميدياً، وفنياً.