الربيع العربي الذي يتخبّط بين أمل وخوف وإحباط، أصبح ذريعة للاحتفاء بالثقافة العربية. وها هي الشعوب التي كسرت حاجز الخوف ونزلت إلى الشارع، تخلق حافزاً لدى المهرجانات السينمائية العالمية لعرض أفلام عربيّة، تعكس هذا الواقع في لحظة فورانه المشرع على كل الاحتمالات. في هذا السياق، احتضنت مارسيليا أخيراً النسخة الرابعة من مهرجان «أفلام». المؤسسة التي أبصرت النور عام 2000 في المدينة الجنوبيّة الفرنسيّة، بهدف «التعريف بالسينما العربية»، خصّصت برنامج دورتها الأخيرة للاحتفاء بالربيع العربي، تحت عنوان «أوجه السينما العربية الجديدة»، على أن تتواصل هذه العروض في مدن فرنسية أخرى حتّى نهاية تموز (يوليو) المقبل. البرنامج احتضن أعمالاً أنتجت خلال العامين الماضيين، وركز على تجارب المخرجين الشباب المتمحورة حول ثيمات سياسية مختلفة، وقضايا تتناول مشاكل المجتمع العربي الحديث، إلى جانب نماذج من أعمال لمخرجين عرب باتوا في عداد المكرّسين، أمثال إيليا سليمان ويسري نصر الله.خليط من الأفلام الروائية والوثائقية، الطويلة والقصيرة، من المشرق والمغرب العربيين، بعضها لم يخلُ من إثارة الجدل. الدورة الرابعة المهداة إلى السينمائي السوري الراحل عمر أميرالاي، عرضت له أعمالاً عدة منها «طوفان في بلاد البعث» (يعاد عرضه الثلاثاء في بيروت، راجع المقالة إلى اليسار)، وتراجعت عن استضافة المخرج السوري الشاب جود سعيد، وسحبت فيلمه «مرة أخرى» من العرض بسبب توقيعه «بيان السينمائيين السوريين في الداخل» المؤيّد للنظام السوري، وهو موقف مستهجن من تظاهرة تعقد تحت لواء الحريّة، وتستضيف أعمالاً تعنى بقضايا الحرية... أما كان الأجدر بالمنظمين فتح نقاش بين وجهات النظر المختلفة، على خلفيّة ما يجري في المنطقة العربيّة؟
الأفلام القصيرة المعروضة تعكس الطفرة التي تشهدها هذه الصناعة في العالم العربي. بينها Dégage للتونسي محمد زران الذي صوره أثناء ثورة الكرامة. الفيلم هو في الواقع 6 دقائق من مشروع فيلم أطول سيعرض كاملاً في الذكرى الأولى للثورة التونسية. وهناك أيضاً «إدانات» (2010 ــــ 15 دقيقة) الذي يرصد فيه وليد مطر، رد فعل رواد مقهى تونسي على أحداث عالمية مختلفة مثل كأس العالم والحرب على غزة.
وتمثل المغرب بأفلام مثل «حياة قصيرة» (2010 ـــــ 15 دقيقة) لعادل فضيلي الذي يرصد مشروع التغيير في بلاده منذ عام 1970. نشير أيضاً إلى «ذات ثلاثاء» (2010 ـــــ 20 دقيقة) للبنانية سابين الشمعة، و«لن نموت» لأمل كاتب...
العروض السينمائية الطويلة جاءت متنوعة أيضاً: «ضربة البداية» للمخرج العراقي الكردي شوكت أمين كوركي. الشريط تدور حبكته حول الملعب المدمر الذي أصبح ملجأً للمهاجرين، وفيه تقام مباراة كرة قدم بين عرب وأكراد وأشوريين. بهذا المعنى، يتحوّل الملعب إلى رمز للعراق اليوم وحالة التعايش بين القوميات والأعراق. أما «الجامع» (2010) للمغربي داوود أولاد السيد، فيتناول قصة مسجد شيّد في إحدى القرى المغربية لتصوير فيلم سينمائي، ثم بقي مستخدماً من سكان القرية. يصف صاحب «في انتظار بازوليني» فيلمه الجديد بأنّه يفضح نفاق بعض رجال الدين الذين يستغلون نفوذهم لإمرار الخطابات الظلامية والمتطرفة.
أما «ميكروفون» (2010) للمصري أحمد عبد الله، أحد أهم الوجوه الجديدة في السينما المصرية، فيحكي قصة الموسيقى البديلة في مصر من خلال فرقة «مسار إجباري» الآتية من الإسكندرية (الجمهور اللبناني على موعد مع الفرقة مساء الغد، في «حديقة سمير قصير» ضمن «مهرجان ربيع بيروت»). هذا إضافة إلى عرض «البراق» (2009) لمحمد مفتكر الذي عُدّ نقلة نوعية في السينما المغربية الجديدة.
وفيما أقصى المهرجان «مرة أخرى» لجود سعيد كما ذكرنا، عرض فيلم «الليل الطويل» لحاتم علي الذي يتناول قصة المعتقلين السياسيين في السجون السورية، من خلال قصة رجل يمضي ليلته الأخيرة خلف القضبان قبل الخروج إلى الحرية.
www.aflam.fr