دمشق | باستثناء الإعلام الرسمي وبعض القنوات الخاصة، ينظر النظام السوري إلى جميع وكالات الأنباء ووسائل الإعلام العالمية على أنّها «وسائل تضليل» و«فبركة أخبار»، مبرراً بذلك التعتيم الذي يمارسه على مراسلي مجمل هذه الوسائل. وقد بات شتم «الجزيرة» و«العربية» وغيرهما مادة يومية على مجمل المحطات الخاصة والرسمية في سوريا. وفي الوقت الذي لا يسمح فيه النظام لأي من هذه المحطات بتغطية الأحداث على أرض الواقع، يتهم هذه القنوات والوكالات بتجاهل أخبار قتل عدد من عناصر الأمن والجيش. لكنّه يتناسى أيضاً أنّ هذه القنوات نفسها عرضت بعضاً من تلك المشاهد نقلاً عن محطته الرسمية، التي لم تعرض حتى الساعة مشهداً واحداً من جنازة أي مواطن مدني معارض. على مدى ثلاثة أشهر، منذ بدء الاحتجاجات الشعبية، لم تفلح أي من وكالات الأنباء العريقة أو الفضائيات الإخبارية بالتقاط ولو صورة واحدة حصرية مما يجري في سوريا. كل ما كان يعرض حتى الساعة هو مقاطع وصور مختلفة، التقطت بواسطة كاميرات الهواتف الخلوية، نشرت على المنتديات والمواقع الإلكترونية المختلفة، وباتت تمثّل المادة الخام والأساسية للخبر والتعليق عليه والحوار.
لكنّ هذه المقاطع المصوّرة سرعان ما تحوّلت إلى محط جدل واسع بين مصدق ومشكك في صحتها. وقد أفردت لها قناة «الدنيا» الموالية للنظام وقناة الفضائية السورية، حلقات نقاشية وساعات حوار طويلة مع خبراء أو إعلاميين ومختصين من أجل كشف ما سُمّي «الفبركة والتلفيق» وإثبات عدم صحتها. وهذا ما حفز صنّاع هذه المقاطع على تسجيل مقاطع جديدة تؤكد صحة ما قدموه في السابق، فإذا بنا أمام حرب فيديوهات لن تنتهي قريباً.
لقد بات أصحاب المقاطع المسجّلة من شباب المعارضة يعملون على تحسين نوعية وجودة ما يقدمونه قدر الإمكان، والتركيز على إبراز بعض معالم المنطقة التي تمثّل مسرح الأحداث. وبذلك أرادوا تقديم الدليل على ممارسات النظام من خلال شريط بصري مسجّل بإمكانات بسيطة إن لم تكن معدومة. وهذا ما حصل في فيديو يظهر تعرّض عدد من المتظاهرين الشباب للضرب في سيارة مغلقة على أيدي عناصر الأمن. وفي خلفية المشهد، بدا جزء من بناء البرلمان السوري بالقرب من منطقة الصالحة وسط دمشق. وفي مشهد آخر ينفي خروج مدرعات الجيش السوري من مدينة درعا بعكس ما يشيع الإعلام الرسمي، يعرض المصوّرون تاريخ تسجيل شريطهم من خلال التركيز على التاريخ المدوّن في الصفحة الأولى من إحدى الصحف الرسمية السورية. هكذا راحت بعض القنوات تستعين بهذه الفيديوهات، في وقت انطلقت فيه على فايسبوك صفحة خاصة بها حملت عنوان «الثورة السورية ـــــ فيديوهات» تُظهر التظاهرات وما تيسّر من فيديوهات التُقطت في المناطق السورية.