باريس | فرّ زين العابدين بن علي واندثرت بقايا نظام الحكم السابق، لكن الثورة التي انطلقت شرارتها من مدينة سيدي بوزيد لم تبلغ بعد مقاصدها النهائيّة. ثورة بلاد الطاهر الحداد تنتظر من يكمل مسيرتها. هذا ما يفكّر فيه المصوّرون التونسيون الشباب الذين جمعوا أعمالهم في معرض بعنوان «الثورة التونسيّة»، استضافه «معهد العالم العربي» في العاصمة الفرنسية أخيراً.
المعرض مبادرة من مجموعة «ارحل» أو Dégage التي تضمّ 12 مصوراً تونسياً شاباً، شاركوا في الثورة ووثّقوها يوماً بيوم، ولحظةً بلحظة. خرجوا من يوميات الغضب بأكثر من مئتي صورة، تحاول كل واحدة استنطاق بعض وقائع الثورة التي انطلقت منتصف كانون الأول (ديسبمر) 2010، بعد إضرام محمد البوعزيزي النار في نفسه، وتواصلت إلى ما بعد 14 كانون الثاني (يناير) 2011، تاريخ مغادرة الرئيس بن علي البلاد. نشرت الصور على أسطوانة «دي. في. دي»، يعرض «معهد العالم العربي» أربعين واحدةً منها فقط، التقطت بين القصرين، وتالة، وسيدي بوزيد، ومدن أخرى.
تتحدث هذه الصور الفوتوغرافية عن نفسها. تركز على ملامح ووجوه تونسية عابسة وغاضبة أحياناً، منشرحة ومبتهجة أحياناً أخرى. تنقل انطباعات ثوار من مختلف الأعمار، وتسافر بين المدن والأرياف، كأنّها ترسم فسيفساء تونس جديدة.
بعض الصور يخبرنا كيف أنّ الثورة جمعت الفوارق والاختلافات. فالأديان توحّدت حول الهدف نفسه. هذا ما تريد أن تنقله إحدى صور ريم تميمي. يستوقفنا مشهد شابة تهتف حاملةً العلم التونسي، وإلى جانبها امرأة تجاوزت العقد الرابع، تحمل لافتة كُتب عليها بالفرنسية: «مسلمون، مسيحيون، يهود... كلنا تونسيون». جاءت كلّ صور ريم تميمي بالأسود والأبيض، وحاولت تسليط الضوء على أهم الشعارات التي انتشرت بين صفوف الثوار. في صورة أخرى نقرأ شعار: «حكومة تقتل شعبها... حكومة تفتقد للمشروعيّة». وتشرح صورة أخرى الطابع السلمي للثورة في لافتة جاء فيها: «هذه مظاهرة سلمية لا تقتلونا».
القدرة على ابتكار الشعارات مثلت محوراً مهماً في الثورة، إذ تعود إليه أيضاً صور سليم تليلي. أعمال هذا المصور تشير إلى دور اليسار في تمديد عمر الاحتجاجات، وارتباط هذا اليسار بصورة تشي غيفارا. العلم الأحمر وكلمة Dégage، مثّلتا عنواناً للصحوة التونسية التي قادها ونظّر لها شباب لم ينكر فضل الجيش في الوقوف إلى جانبه. صور الجنود وفيالق الجيش مثّلت جزءاً مهماً من المعرض، كأنّها تحية لدورهم الإيجابي في الانتصار للخيار الشعبي، والرغبة في إخراج البلد من دوامة الديكتاتورية الظلامية.
أمين بو صفّارة ينقل في صورة بالأسود والأبيض احتفال جندي مع الجماهير بسقوط النظام. كذلك يحيلنا على الدور الإيجابي في تعامل العسكر مع المسيرات والتظاهرات اليومية، سلمياً. وفي صورة معبّرة، يقدّم ما يشبه تحية عرفان للجنود التونسيين، إذ نشاهد شاباً يعانق جندياً ويقبّله. لكنّ الصورة الأقوى والأكثر عمقاً جاءت بعدسة سيف شعبان الذي يصوّر فتاة صغيرة تقبّل جندياً يقف أمام دبابة، يحمل رشاشاً، وينحني لها مبتسماً.
معرض Dégage الذي اختتمه «معهد العالم العربي» أخيراً، يستعدّ لزيارة مدن أخرى. البداية ستكون من بروكسل مساء اليوم، ضمن تظاهرة تجمع التصوير بالسينما والموسيقى والرقص والمسرح، وتحمل عنوان «تونس: الثورة وما بعدها»، في مركز «بيانوفابريك» الثقافي، على أن تجول الصور لاحقاً على ميلانو، وبرلين، وإسطنبول، قبل أن تحطّ الرحال أخيراً في تونس. عمق وواقعية الصور الفوتوغرافية التي تقترحها علينا مجموعة «ارحل»، قادرة على أن تعيد إلينا حرارة أجواء الثورة التي أنجبت الربيع العربي... يعزِّز ذلك الانطباع اختيار منظّمي المعرض عرض الملصقات التي رافقت الثورة، وكانت تنتشر خلالها على مواقع التواصل الاجتماعي.
www.pianofabriek.be