باريس | جزائر التسعينيات بكل تناقضاتها، هي البطلة الفعليّة لمسرحية «في سنّي هذه، ما زلت أختبئ لأدخّن» التي تقدّم بعد غد السبت في «دوار الشمس» ضمن إطار «مهرجان ربيع بيروت». توسُّع مدّ الأصولية، والتضييق على الحريات الفردية، يمثلان محورين في المسرحية التي أثارت جدلاً واسعاً لدى عرضها في باريس شتاء 2011. لقد تعرّضت الكوميديّة وصاحبة النصّ، الممثلة الجزائرية ريحانة لجملة اعتداءات، بلغت حدّ محاولة إضرام النار في وجهها في قلب باريس.
تدور الأحداث في حمام شعبي، بكلِّ ما يحمله المكان من رمزية في الذاكرة الجمعية الجزائرية. هناك، نصادف تسع نساء، تجمعهنّ مآسي العيش وسط العنف السياسي في جزائر الحرب الأهلية. صاحبة الحمام فاطمة (ماري أوجيرو) على عتبة الخمسين، تعمل لتربية أبنائها، وتعاني برودة في علاقتها الجنسية مع زوجها. تستنشق سيجارتها اليومية خلسةً، لتغوص معها في الهذيان والأوهام، قبل أن يفاجئها صراخ مريم (ريحانة).
هذه الأخيرة هاربة من شقيقها الملتحي الذي يريد قتلها بعدما اكتشف حملها من صديقها. انطلاقاً من هذا المشهد الافتتاحي، تتطوّر المسرحية جامعة بين التراجيديا والكوميديا. وتشرع نسوة المدينة في التوافد على الحمام للبوح بأسرارهن لفاطمة: الشابة سامية (ليندا شايب) تحلم بالزواج بأجنبي تسافر معه خارج البلد وتتخلص من سلطة والديها. فكرة راسخة في ذهنها رغم محاولات نادية (ريبيكا فينيه) إقناعها بالعكس، بعدما ملّت الزوجية، وتمكنت من نيل الطلاق.
«في سنّي هذه، ما زلت أختبئ لأدخّن» (١١٠ دقائق) هو النّص الأول المكتوب بالفرنسيّة لريحانة، ابنة باب الواد، أخرجه فابيان شابوي. تميّز النص بالجرأة في انتقاد الجماعات الإسلامية الراديكالية، رغم أنّه منحها فرصة التعبير عن منهجها عبر إدراج شخصية زاهية (جيرالدين أزويلو)، المتزوّجة بأحد المتدينين، وتحكي كيفية تعرض زوجها للتعذيب ولممارسات وحشية من الشرطة. مرافعة لم تستمل نساء الحمام، عكس حكاية لطيفة (تايدير وازين) التي تحكي ليلة زفافها من زوجها الذي يكبرها بأربعين سنة، وهي طفلة في الثانية عشرة. تمر أمامنا أيضاً عائشة ولويزة والحاجة موني التي تزور الحمام بحثاً عن زوجة لابنها.
عبر «في سنّي هذه، ما زلت أختبئ لأدخّن»، تقدّم ريحانة نصاً يلامس مناطق الظلّ في حياة تسع جزائريات، قد لا تختلف حالهن عن حال نظيراتهن من العالم العربي. تنتصر لهنّ، ولحقهنّ في التحرّر من السّلطة البطريركية، لكنّها تذكر أنّ المرأة في الجزائر ـــــ بعد عقد على نهاية الحرب الأهلية ـــــ ما زالت ترزح تحت نير العنف والتطرّف.




«في سنّي هذه، ما زلت أختبئ لأدخّن»: 9:00 ليل بعد غد السبت ـــــ مسرح «دوار الشمس» (الطيونة/ بيروت).