تبقى فضيلة مرابط متمسكة بالدّفاع عن مواقفها الصلبة في انتقاد الوضع السياسي والثقافي في جزائر ما بعد 1962. تشبّثها بخيار المعارضة سبَّب لها متاعب كثيرة مع الإسلاميين الذين يصفونها بـ«المرتدّة». كذلك لم تسلم من سهام الجهات الرسمية، ما دفعها إلى اختيار المنفى. تعيش المناضلة النسوية الجزائرية في فرنسا منذ عام 1971. هناك تواصل نضالها «من أجل جمهوريّة جزائريّة علمانيّة»، وسعيها الحثيث إلى فضح أسباب وخبايا فشل الثورة الجزائرية (1954 ــــ 1962) في تحقيق أهدافها. تقضي فضيلة معظم وقتها في الكتابة والمطالعة، خصوصاً بعدما تقاعدت عن التدريس في «مدرسة الطب» في باريس على مقربة من الحيّ اللاتيني، حيث صادفناها. تقول: «كرّستُ أكثر من عشرين سنة من حياتي للتدريس، وتخريج الأطباء. وحين بلغت سنّ التقاعد لم أندم كثيراً، إذ كنت بحاجة إلى تغيير الأجواء والتفرغ أكثر للكتابة».أصدرت مباشرة بعد تقاعدها كتاب «طفولة فريدة... في الجزائر» (2003)، وفيه تستحضر فوارق العيش في جزائر الأمس وجزائر اليوم، حيث تتواصل سياسة التضييق على الحريات. ثمّ أصدرت كتاب «المؤذن ذو العينين الزرقاوين» (2008)، وفيه تدعو إلى إلغاء المادة الثانية من الدستور الجزائري، وهي المادة القائلة بأنّ دين الجمهورية هو الإسلام. «المادة الثانية من الدستور التي تقرّ بأن الجزائر جمهورية دينية، تؤكد مسعى التفريق بين الجنسين. بالتالي، يبقى المجتمع الجزائري على ما كان عليه منذ قرون: مجتمعاً بطريركياً».
تؤلف النسويّة والدفاع عن حقوق المرأة محوراً مهماً في سيرة مرابط النضالية. أصدرت أول كتبها «امرأة جزائرية» (1965) ثم «جزائريات» (1967)، يوم كانت البلاد تمرّ في مرحلة تاريخية تحاول فيها تضميد جراح ١٣٠ سنة من الاحتلال. قدّمت في الكتابين أطروحتها حول سبل تحرّر المرأة، وحثتها على أهمية النضال لبلوغ أهدافها. حاصرتها يومذاك قيادات «جبهة التحرير الوطني»، الحزب الواحد الحاكم، ومنعتها من الظهور في وسائل الإعلام... كذلك أقيلت من منصبها معدّةَ برامج في الإذاعة الجزائرية التي ساهمت في بعثها بعد الاستقلال، وكانت تشرف فيها على ثلاثة برامج ثقافية أسبوعية. «دفعني النظام القائم ذلك الوقت إلى مغادرة البلد. أعتقد أنّه تخلّص مني، لكنّه منحني فرصة للتمتع بحرية التفكير والتعبير، وجنّبني مغبَّة الموت تحت ظلامية الجماعات الإسلامية خلال التسعينيات». وكانت تلك الجماعات قد طالبت في أحد بياناتها بإصدار فتوى تجيز هدر دم فضيلة مرابط.
اختلاف وجهات النظر في التعاطي مع الثورة ونتائجها كان مسبباً أساسياً في نبذها وإبعادها عن بلدها ومسقط رأسها. قناعاتها أخذتها على دروب المنفى، لكنّها لم تتحمّل ما مرّ به معارضو الداخل، ومنهم من صُفّي. وما زالت فضيلة إلى اليوم متشبّثة بآرائها: «ما وقع في تشرين الثاني (نوفمبر) 1954، لم يكن ثورة بل حرب تحرير. بعد إخراج المستعمر، انجرف بعضهم وراء تسوية حساباته الداخلية، وشهدنا اندلاع حرب ضروس للاستئثار بالسلطة». وتضيف: «عوضاً عن تجسيد مشروع ثوري، عانينا الشعبوية في فترة حكم أحمد بن بلة (1962 ــــ 1965)، ثم الديكتاتورية العسكرية في حقبة الرئيس هواري بومدين (1965 ــــ 1978) تحت اسم الاشتراكية التي وجد فيها النظام أفيوناً لتخدير الشّعب».
تكوينها المزدوج منحها رؤية أشمل لراهنها. فهي ابنة عائلة ملتزمة. والدها يعدّ واحداً من أهم رواد جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وكان صديقاً حميماً للإمام عبد الحميد بن باديس (1889 ــــ 1940)، كذلك كانت أول جزائرية وعربية تلتحق بجامعة ستراسبورغ في شمال فرنسا، حيث نالت شهادة الدكتوراه في علم الأحياء، وخاضت بمفردها إضراب 19 أيار (مايو) 1956، استجابةً لنداء «جبهة التحرير الوطني» التي اختلفت معها لاحقاً، وحمّلتها مسؤولية خيبة جيل الثورة والفشل في تجسيد مشروع جمهورية ديموقراطية.
مشروع يبقى مؤجلاً رغم موجة الثورات التي تجتاح المنطقة العربية، وترى فضيلة أنها لن تبلغ في الفترة الحالية الجزائر. «شهدت الجزائر ثورة عام 1988، ونتائجها معروفة: عشر سنوات حرب أهلية، و200 ألف قتيل. حصيلة ثقيلة تحمّل الجزائريون وزرها. اليوم، تبقى مؤشرات الثورة مستبعدة، على الأقل في الوقت الراهن». تبدو فضيلة مرابط غير متفائلة بمصير الثورات التي تشهدها دول الجوار، خصوصاً تونس ومصر: «الديموقراطية ليست هبة، بل معركة شعب. الثورة تقوم في الأساس على برنامج لا على انتفاضة من أجل كلمة حرية. هي تغيير شامل على مختلف الصعد، سياسياً، واقتصادياً، وثقافياً».
بين الواقع التعسفي الذي تتخبط فيه غالبية دول المنطقة العربية، ويوطوبيا تأسيس أنظمة سياسية ديموقراطية، ترى مرابط أنّ مرور نصف قرن على استقلال الكثير من الدول العربية، لم يغيّر من الحال شيئاً، خصوصاً في الجزائر. «أضعنا الكثير من الفرص، وتأخرنا أشواطاً»، تقول. «أفلتت منا مراحل تاريخية مهمة، من الصعب الآن العودة إليها أو استعادتها. نصف قرن مرّ على الاستقلال، ومع ذلك تبقى الكثير من الأسئلة معلقة. أسئلة حول ماضينا وأخرى حول راهننا».
تجد فضيلة في الكتابة وسيلتها الأثيرة للمقاومة والبقاء في خطّ المواجهة. منتصف حزيران (يونيو) الجاري ينزل إلى المكتبات كتابها الجديد الذي يندرج في خانة السيرة. في «قهوة الإمام» الذي يصدر في الجزائر وفرنسا، تستعيد مرابط في العمل نكهات القهوة التي احتستها من باريس إلى اسطنبول، ومن الجزائر إلى سراييفو. تستعيد معها جزءاً من ذكريات حميمة مع زوجها المناضل موريس ماشينو، الصحافي السّابق في صحيفة «لوموند ديبلوماتيك». رغم ثقل السنين، تعتقد فضيلة مرابط أنّ ذاكرتها ما زالت قوية. ما زالت قادرة على السرد، واستعادة أهم اللحظات التاريخية. تحاول توظيفها من أجل البوح، وطرح رؤياتها وأوهامها عن جزائر أخرى... بعيداً عن منطق الديكتاتورية التي تستبدّ بها منذ نصف قرن.



5 تواريخ


1936
الولادة في مدينة سكيكدة
(شرق الجزائر)

1965
صدور باكورتها
«امرأة جزائرية»

1971
استقرّت في فرنسا
بعد تضييق الحزب الحاكم عليها

2003
أصدرت كتابها
«طفولة فريدة»

2011
تستعدّ لإصدار كتاب جديد بعنوان «قهوة الإمام» (ريفنوف/ باريس ــــ داليمان/ الجزائر)