في حرب الصورة بين التلفزيون الرسمي السوري وكاميرات المحتجّين، بدا أنّ صورة مقبرة درعا وضعت نهاية حاسمة، لا يُتوقّع أن تتغيّر بعدها النتيجة. يبدو أن المنع الذي فرضته السلطات السورية على وسائل الإعلام، هو تحديداً ما زاد من تأثير الصورة الإعلامية على المشهد السوري أكثر من غيره.
مثلاً، يعرف متابعو كرة القدم، أنّه إذا لاحظ الحكم أنّ بعض اللاعبين يتعمدون تضييع الوقت، فإنه سيضيف وقتاً إضافياً ربما كان أكثر من الوقت الضائع فعلاً. كذلك، وإزاء التعتيم الإعلامي السوري، أرسل المحتجون إلى العالم صوراً أكثر من أي بلد آخر وأشد تنوعاً: صور ليلية من بانياس، ونهارية من حمص، وصور من أعلى في حلب، ومن أسفل في درعا، في مواجهة الدبابات... صور تصرخ: نحن موجودون، مستمرون، «الشعب يريد...».
أرسل المحتجون صوراً حتى صنعوا فائضاً من الصور، لم يرفعوا سلاحاً أو حجارة فقط. رفعوا الهواتف الخلوية، ولا برهان على القتيل إلا صورته.
في المقابل، كانت الكاميرا الرسمية مثبتة على «العصابة المسلحة» وأفرادها يستندون بأريحية على سور ما، ويطلقون النار من مكان لا نعرفه. تتطلب معدات التلفزيون الثقيلة مساحة وإضاءة مناسبة وتوصيلات كهربائية. لا بد من أنها كانت كاميرا ثقيلة لأن الصورة كانت نقية جداً، ولا بد من أنّ المصوّر كان مختبئاً لأن الكاميرا لم تكن تهتز، وبدا أن لديه الوقت كله، وطال التصوير واستطالت اللقطات، ولم ينفذ المصوّر واجباً أهم هو استدعاء البوليس.
الصور الرسمية أوضح في جنازات العسكريين، وحزن الأهالي حقيقي وموجع. وربما كان أهل درعا في وضع أفضل ـــــ على سوئه ـــــ لأنهم يعرفون قاتلهم على الأقل. لكن الحزن السوري طال، ولن تقدم الصور جديداً مهما كانت جديدة، ما ورد منها يكفي كي يحسم المتردد أمره، ويتخذ المجادل حجته، ويبرر الخائف خوفه: مقبرتان مثل مقبرة وألف قتيل كعشرة آلاف، جمعة الحرية كجمعة التحرير، جنازة إدلب كجنازة دوما، لم تعد الصورة مشهداً بصرياً بل معلومة احتجاجية: المتظاهرون مرّوا من هنا. وصورة اليوم التالي تعني أنهم ما زالوا يمرون. لذلك، يرفعون اللافتات بتاريخ اليوم، وأوراق الصحف لو توافرت الصحف. طال الوقت، وربما لذلك، بدأ الوثائقيون يعملون. بدأت «العربية» مع اللاجئين في وادي خالد، وسيتبعها آخرون، الخوف والحزن على الجهتين، لكنّ شيئاً آخر يجمع النازحين بمستقبليهم، بمعزل عن التلاعب الأيديولوجي بالطرف اللبناني لأسباب سياسيّة: في تل كلخ وفي وادي خالد، الجميع فقراء.