عادت إلى الواجهة التهديدات بقطع البثّ عن قنوات التلفزيون المصري من جانب العاملين فيه. والأزمة آتية هذه المرة من قناة «النيل للأخبار»، التي نظّم موظّفوها وإعلاميّوها أمس وقفة احتجاجية داخل مبنى التلفزيون المصري، المعروف باسم «ماسبيرو»، وأيضاً أمام مجلس الوزراء المصري. والهدف كان المطالبة بفصل إدارة «النيل للأخبار» عن قطاع الأخبار، باعتبارها القناة الإخبارية الوحيدة في مصر، وتستحق أن يكون لها هيكل إداري ومالي مستقل، وأن تكون تابعةً مباشرة لرئاسة اتحاد الإذاعة والتلفزيون، أو لمجلس الوزراء. وهو الوضع الذي كان قائماً منذ انطلاق القناة عام 1998، لكن الوضع تغير تحت إدارة أنس الفقي، وزير الإعلام السابق، المحبوس حالياً على ذمة التحقيق في قضايا فساد.الفقي جعل كل مضمون الأخبار الصادر عن التلفزيون المصري في قبضة رجل واحد هو عبد اللطيف المناوي ـــــ رئيس قطاع الأخبار، الذي أطيح أيضاً بعد شهرين على ثورة النيل ـــــ لتفقد القناة استقلاليتها وينساها الجمهور المصري تدريجاً، بعدما حظيت بمكانة كبيرة في سنواتها الأولى، وخصوصاً مع اهتمامها الدائم بتغطية الأحداث في الأراضي الفلسطينية. وبينما تفاءل الجميع بالتأثير الإيجابي لـ«ثورة 25 يناير» على الإعلام الحكومي، ما زالت هناك مقاومة كبيرة من مسؤولي التلفزيون الجدد لأي أفكار تهدف إلى التطوير، ولا تزال الرقابة كما هي على ما يبدو، إذ طلب رئيس قطاع الأخبار الجديد إبراهيم الصياد من فريق القناة أخيراً قطع البث المباشر عن جلسات الحوار الوطني. وجاء ذلك عندما كان أحد ممثلي شباب الثورة يهاجم دعوات أعضاء في الحزب الوطني المنحل إلى المشاركة في حوار يستهدف رسم مستقبل البلاد، التي دمر هذا الحزب ماضيها وأفسد حاضرها. وبالطبع، جاء قطع البث مفاجئاً وبناءً على تعليمات من خلال الهاتف الداخلي كما علمت «الأخبار». وهنا، اعترض المشرفون على استديو البث المباشر، ودخلوا في نقاشات حادة مع الصياد، الذي لم يأبه بتلك الاعتراضات، حتى لو كان الثمن ذهاب جمهور التلفزيون المصري من جديد إلى قناة «الجزيرة مباشر مصر»، التي كانت تبث الحوار من دون أيّ قطع بكل تأكيد.
وقبل هذه الأزمة، فوجئ العاملون في القناة بسحب الاستديوهات الخاصة بهم لمصلحة قطاع الأخبار، وتقليص الإمكانات المتاحة للقناة الإخبارية الوحيدة لدى التلفزيون المصري من بين حوالى 23 محطة تمتلكها الدولة. أما «استديو 5»، الذي كان يُفترض تطويره وافتتاحه، فقد توقف، فيما انسحبت الشركة الألمانية التي كانت تنفّذ المشروع، ولا أحد يعلم مصير القناة حتى الآن، وخصوصاً بعد التصريحات التي أطلقها منذ أيام الإعلامي حسين عبد الغني عن قضية استبعاده من الترشح لإدارة القناة، إذ إنّ مسؤولي التلفزيون قالوا له إنّ عضواً بارزاً في المجلس العسكري الحاكم رفض تولي عبد الغني المسؤولية لأنه كان موجوداً في ميدان التحرير باستمرار، وبالتالي من الصعب السيطرة عليه. وهو الأمر الذي يطرح علامات استفهام لا حصر لها بشأن استمرار الرقابة على الإعلام المصري حتّى بعد إطاحة حسني مبارك ورجاله.