كان لا بدّ من محاولة ثالثة. بعد ظهر أمس، بدت لنا أسواق بيروت المستحدثة متاهة بلا قرار. أين سيقيم «مهرجان بيروت للموسيقى والفنون» مؤتمره الصحافي؟ ينظر إليك شباب الأمن بطريقة غريبة. موظفان في الكابينة التي تبيع البطاقات، لا يعرفان... موظفة الاستقبال على مدخل السوق لطيفة وخدومة، أجرت ثلاث مكالمات، لكن من دون جدوى. أرسلونا إلى البلوك A، ومنه عدنا إلى آخر السوق، ثم وجدنا أنفسنا عند الخانة الصفر. صادفنا كوبلاً سعيداً محمّلاً بالأكياس، الرجل يشبه براد بيت. بقينا ندور ولسان حالنا يقول، مع إلهام مدفعي أحد تينورات المهرجان (29/5) «ما لي شغل بالسوق...». قلنا نزعج المشرف العام فادي الغزاوي شخصياً على محموله. «وينك؟ تعال قرب المقهى». آه في الـ«ميوزيك فيلادج». مررنا أمامه أكثر من مرّة، لكن الحواجز الحديدية التي تسيّج المكان لم توحِ لنا بأن حدثاً سيقام هنا. فادي لا يخفي خيبته وغضبه من الصحافة المكتوبة... «لماذا لا يأتون للكتابة عن الفرق اللبنانيّة الشابة؟... سيتدافع الجميع قريباً لحضور رودجر هودجسون (31/5) وأل دي ميولا (7/6) وآل خليفة (11/6)... لكن المشاهير لا يحتاجون إليهم. أنا يهمّني الشباب». ويضيف متوعداً: «لن أعطيهم أكريديتيشن»! ثم أزاح الحاجز الحديدي، ودخلنا إلى المسرح الصغير الذي يحتضن كل مساء عدداً من الفرق الشابة، ضمن برمجة تستحق التحيّة، رغم ملاحظات عابرة. في المقلب الآخر، المسرح البحري سيستقبل الأمسيات الكبرى. أخيراً، بدأ بعض الأشخاص بالوصول. فنانون بينهم زيد حمدان (26/5) وهاني سبليني وإدوار عبّاس («فريق الأطرش»، حفلتهم كانت ليلة أمس) وزياد سحّاب. وحده تلفزيون Mtv. ونحن ننتظر تحت الشمس الحارقة... الملحقة الصحافيّة تحيّينا بصفتنا من الفنّانين، ثم تسأل زياد سحّاب: press؟ لا بأس، ليست إلا الدورة الأولى من مشروع طموح يستحق كل الدعم.
تحلّق الحاضرون حول الغزّاوي الذي أعدّ لنا مفاجأة. على الطاولة أمامه صحف اليوم، بدأ يقرأ العناوين. «أوباما، ميقاتي، هيك مقضيينها. ما حاجتي بأوباما؟ شاهدته على التلفزيون. أين صورة عبّود؟ (يقصد السعدي). أين صورة آيلين ختشادوريان؟ وينو لاري كورييل؟ إنتو ما بيحكوا عنكم!»، متوجهاً إلى الفنانين وهم الأكثريّة. أحضروا له قمامة خضراء، راح يرمي بها الصحف ما إن يفرغ منها، وسط تصفيق الحاضرين. «الاستثناء الوحيد ـــــ قال ـــــ اثنان لا يحب أحدهما الآخر: «المستقبل» و«الأخبار». هودي عم يكتبوا عنّا!». Happening حقيقي يتطلّب شيئاً من الجرأة والفانتازيّة. مدير BMAF اكتشف أن الصحافة المكتوبة تحتضر. لعلّها مسألة أجيال. لعل الثقافة لم يعد لها مكان في الكاباريه الكبير؟ وربما كان على المهرجان أن يعيد النظر في طريقة تواصله مع الإعلام المكتوب.