عمّان | قبل افتتاح معرض «لقد نسجنا الأرض بشباك من حديد» في «محطة قطار الجيزة» (قرب مطار عمان الدولي)، تجوّل مدير المحطة بين الأعمال المعروضة. راح ينتقد «الإشارات السياسيّة»، كالإحالة إلى «اتفاقيّة رودس» للهدنة بين الأردن وإسرائيل التي سمّت خطاً حديدياً ثانياً داخل فلسطين، رسمه «من على جيب عسكريّة إسرائيليّة موشيه ديّان وعبد الله التلّ». على حسابها في «تويتر»، كتبت الفنانة الأردنيّة تولين توق، منسّقة المعرض مع الفنان الأميركي إريك غوتسمان، أن «انتقاد مدير المحطة مؤشرٌ جيّد».
في الواقع، يمكن عدّ هذا المعرض إشارة سياسية، ومحاولة لفهم معنى الحدود، عبر تتبّع مسار خط حديد الحجاز وآثار بنائه، وخرابه. يتخذ ذلك أهمية خاصة في عصر «ما بعد الكولونياليّة»، والتفكير في معاني حدود المنطقة الجغرافيّة. حاول منظّما المعرض تتبّع مسار سكّة الحديد التي بناها العثمانيون عام 1908، بهدف إيصال الحجاج إلى مكّة، ورَبْط السلطان عبد الحميد الثاني بنواحي إمبراطوريته. يحاول معرض «لقد نسجنا الأرض بشباك من حديد» إعادة بناء السكّة فنيّاً من خلال توريط عدد من الفنانين الذين يربطهم خط الحجاز جغرافيّاً: أيهم مجيد آغا (سوريا)، أسلي كفوسغلو ومحمت فحراشي (تركيا)، سمير حرب (فلسطين)، أنيس معاني وآلاء يونس وأحمد بركات وكاتب هذه السطور (الأردن)، إضافةً إلى فرانسيس آليس (المكسيك)، ونيكولا بيروجيني (إيطاليا).
في البداية، لا يمكن فصل الموقع/ المحطة عن الأعمال الفنيّة، إذ اكتسبت عمقاً ستفقده لو عرضت خارجه. إضافةً إلى أنّ رحلة الساعتين في القطار التي استمرّت ساعتين من عمّان إلى المعرض، تكوّن أحد أهم عناصر العرض. لكنّ الأعمال التي جاءت بمعظمها مفاهيميّة، لم تقبض على الفكرة الأساسيّة المقترحة بل حامت حولها، إلى درجة بدت كأنّها تقارع فكرة يصعب احتواؤها واختزالها.
في المبنى الرئيسيّ، عرض فيديو وعمل كوميكس لسمير حرب ونيكولا بيروجيني بعنوان «قصة عودة 1948»، حول أثر خط الحديد الذي اخترق قرية بتير عابراً بين القدس ويافا، بمحاذاة «الخط الأخضر»، بعدما أصبح القطار وسيلة نقل «إسرائيليّة» فقط. وفي الجوار، عرض فيديو للفنان البلجيكي المقيم في المكسيك فرانسيس آليس وهو يعيد طلاء الخطوط التي تفصل بين المسارب داخل قاعدة عسكريّة أميركيّة مهجورة في بنما. يرمقه السكّان بكسل، ويتابعون حياتهم اليوميّة، رغم محاولته استفزازهم بإعادة بناء ملامح الإمبرياليّة الأميركيّة.
أما أسلي كفوسغلو، فعرضت رسوماً تخيليّة لهدم السلطان عبد الحميد الثاني نصباً تذكاريّاً كان قد بناه الروس في مناسبة الانتصار على العثمانيين. وعلى واجهة المبنى، علّق تركيب فنيّ لمحمت فهراشي بعبارة «أفكّر بك بالعربيّة، لكن أحبك بالتركيّة»، في إشارة إلى أصوله العربيّة، لكن بطريقة تخلو من أيّ تعبير فنّي مفترض. بينما عرض أنيس معاني عمله الفني الهائل «بلا عنوان»، مستفيداً من قطع حديد غير مستعملة وجدت في الموقع. ولعلّ أكثر ما يثير الإعجاب في القطعة (طولها 8 أمتار) هو الجهد المبذول في تركيبها أكثر من أي شيء آخر، كأنّها بنيت في يوم عمل عادي لعمال بناء سكة الحديد. قد يكون أنجح ما في المعرض جزؤه التفاعلي والبحثيّ. إذ بدأ المنظمان بالتراسل مع مركز الفن الإسلامي في متحف «برغامون» في ألمانيا ـــــ في محاولة عبثيّة، لكنها في صلب المعرض ـــــ لاسترجاع واجهة قصر المشتى (شرق عمان) التي بناها الأمويون، واستبدلها السلطان العثماني بعشرة جياد. وفي جزء من المعرض أيضاً، اعتلى الممثّل السوري أيهم مجيد آغا مقطورة مهجورة ليلقي نصّاً بعنوان «وحشة». جاء أداؤه تلقائيّاً أكثر من المفترض، والنصّ سرياليّاً أكثر من اللزوم. ربما يكمن اكتمال المعرض في نقصانه، تماماً مثل الإطار الفارغ بجوار الرسالة التي بُعثت إلى المتحف الألماني بانتظار الردّ.



«لقد نسجنا الأرض بشباك من حديد»: حتى 4 حزيران (يونيو) المقبل ــ محطة الجيزة (قرب مطار عمان الدولي). www.apexart.org