بين ولادته في بيت جالا (1954)، البلدة الهادئة الداخلة في خاصرة القدس، ومخيم الكرامة في غور الأردن حيث اشتغل والده مدرّساً في «الأونروا»، أمضى غسان زقطان طفولته. كان والده خليل زقطان شاعراً كلاسيكياً، لكنَّ الأولوية كانت للنشاط السياسي. لا يزال يتذكر بيتهم الذي احتضن نقاشات شارك فيها كتابٌ وسياسيون صاروا لاحقاً جزءاً من الوعي الفلسطيني. مكتبة الوالد هي الأثمن في ذاكرته. «كانت لوالدي علاقة جيدة بالحزب السوري القومي الاجتماعي، وكانت تصلنا كتب مطبوعة في بيروت. كنت ألتهم الكتب التي تسمح لي قامتي بالوصول إليها». يضيف ضاحكاً: «لو كنت أطول بخمسة سنتيمرات لكانت ثقافتي مختلفة ومستقبلي أيضاً». مكتبة الوالد ونشاطه السياسي نواتان ستتجمع حولهما سيرته اللاحقة المنقسمة بين الشعر والعمل السياسي. قبل ذلك، ستُهجِّر هزيمةُ حزيران العائلة إلى عمّان، ويلتحق هو بمعهد التربية الرياضية، ويصبح أستاذاً لها في مدارس الأردن. في غضون ذلك، كتب الشعر كوسيلة للتعبير الشخصي. لم يُخفِ الأمر، لكنه لم يجهر به أيضاً.
طريقةٌ مواربةٌ كهذه لم تُلفت والده الذي كان مهتماً بشعراء آخرين، وخصوصاً محمد القيسي (1945 ــــ 2003): «تحمّس والدي للقيسي إلى درجة تبنّيه له. حضور محمد المقيم في بيتنا حجب كتابتي للشعر عن أبي». ما حدث أن القيسي هو من انتبه. تسلل إلى دفتر أشعار الابن. أجرى بعض التعديلات في عدد من المقاطع، وأرسلها إلى جريدة «الدستور». تحت عنوان «قصائد أولى»، رأى غسان اسمه مطبوعاً، ما شجّعه على إرسال قصائد أخرى، بنفسه هذه المرة، إلى جريدة «الرأي». بالتوازي مع الشعر، انتسب إلى «الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين» بقيادة نايف حواتمة.
سنة 1977 كانت مفصلية. حاز جائزة رابطة الكتاب الأردنيين، ودُعي بسببها إلى مؤتمر «اتحاد الكتاب العرب» في ليبيا، واعتُقل بعد عودته بسبب القصيدة الفائزة التي قرأها في المؤتمر. في السنة نفسها، نشر باكورة شعرية مشتركة مع محمد الظاهر بعنوان «عرض حال للوطن». الجائزة والمجموعة وضعتا اسمه بقوة إلى جوار شعراء تلك الفترة، مؤلفاً مع أمجد ناصر وزكريا محمد ثالوثاً لافتاً على صعيد الصداقة والشعر والسياسة معاً.
عن ذلك التريو يقول: «وجودنا كمجموعة متجانسة لم يوقف نقاشاتنا التي تصل إلى الشجار الفعلي. كان أمجد أكثرنا جرأة وتجريباً، بينما كان زكريا القادم من بغداد أكثرنا معرفةً. حمل إلينا دواوين سعدي يوسف وحسب الشيخ جعفر ويوسف الصائغ. التجربة العراقية صنعت فارقاً ظهرت ملامحه في تجاربنا. خرجنا من محليَّتنا، وبدأنا نعي ضرورة فهم الشعر كتجربة وجودية وحياتية كاملة». يوافق على أنَّ النبرة الخافتة والعناية بالمشهديات اليومية في قصيدته كانتا حصيلة ذاك التأثير. ويرى أنَّ ذلك كان قوياً إلى حدّ أنَّه أرسل الثلاثة واحداً تلو الآخر إلى بيروت بعدما ضاقت عمّان بطموحاتهم.
في بيروت، فوجئ صاحب «صباح مبكر» (1981) بمختبر شعري وبحرية العمل السياسي الميداني. تورّط أكثر في السياسة. في موسكو، أمضى سنة في دوراتٍ لتأهيل الأطر القيادية، وتسلّم بعد عودته مسؤولية الشبيبة الديموقراطية في لبنان. «كانت تجربة غنية. أصدرنا مجلة «الفجر الجديد»، وكتب فيها سعدي يوسف وهاشم شفيق وأمجد وزكريا أيضاً». الصداقات أعادته إلى الشعر، فأصدر ديوانه الثالث «أسباب قديمة». لكن الاجتياح الإسرائيلي وصل إلى بيروت، وأبقى الديوان في المستودعات.
خرج الشاعر مع المقاتلين. على متن سفينة مغادرة إلى عدن، وجد نفسه مع الروائي غالب هلسا والشاعرين شاكر لعيبي وغيلان. بعد شهر، عاد إلى دمشق للعمل في القسم الثقافي لمجلة «الحرية» إلى جوار زكريا وهلسا وليانة بدر وراسم المدهون. خلال أربع سنوات، عاش الملحق الثقافي للمجلة حقبة ذهبية مع مساهماتٍ مميزة لكتابٍ من فلسطين وسوريا، إضافةً إلى عراقيين اختاروا دمشق منفىً لهم بعد هجراتهم القسرية من بطش صدام حسين. التجربة التي يعتبرها زقطان الأكثر ثراءً في الصحافة المكتوبة، توقفت سنة 1986، وغادر إلى قبرص التي لم يرتح فيها، فوجد نفسه في تونس مديراً لتحرير فصلية «بيادر» التي ترأس تحريرها الشاعر أحمد دحبور.
كانت«بيادر» تجربة مختلفة عن «الكرمل» و«شؤون فلسطينية»، لكنها لم تدُم طويلاً. في الأثناء، واصل زقطان العمل على كتابة قصيدة مكثَّفة، متخلصة من التهويم البلاغي، ومهمومة بالتفاصيل على حساب القضايا الكبرى. هكذا، أصدر «رايات» (1984) و«بطولة الأشياء» (1988) و«ليس من أجلي» (1992). بطريقة ما، بدا أنّه يكتب قصيدة نثر بعدَّة قصيدة التفعيلة، ما جعل تجربته تُستقبل بحفاوة من جمهور الطرفين. اتفاق أوسلو (1993) أحدث منعطفاً آخر في حياة الشاعر. «أوسلو اتفاق رديء، لكنه كان نوعاً من الحل. أوسلو كان البرابرة الذين وصلوا متأخرين. كان ممكناً أن نحصل على اتفاق أفضل، لكنَّ أوسلو منحنا فرصة نقل المشروع الوطني الفلسطيني إلى الداخل، ومنح كثيرين منا فرصة العودة». في رام الله حيث يقيم ويكتب في جريدة «الأيام»، ويشرف على ملحقها الثقافي الأسبوعي، يواصل تصالحه مع عادية الحياة اليومية الفلسطينية، لكنه لا يغفل الصراع الدامي وغير العادل مع المحتل الذي لا يزال جنوده «يطلقون النار بحكم العادة، وبلا أوامر» بحسب إحدى قصائده. إلى جانب الشعر، وجد فرصةً للتخفف من كثافة المجازات والصور، فسرد شذراتٍ من طفولته في «سماء خفيفة»، وسيرة الأمكنة الأولى في «وصف الماضي»، وسيرته كعائد في «عربة بستائر قديمة». يُقرّ صاحب «سيرة بالفحم» بأن العودة ناقصة، لكنها صالحته مع فكرته عن فلسطين التي ينبغي أن تتحرر، ليس من الاحتلال الإسرائيلي فحسب، بل من كونها استعارة كبرى وتنميطاً بلاغياً. «فلسطين صناعة عربية وليست صناعة أهلها فقط. الهزائم المتكررة خلقت لدينا رغبة في أن نكون أعداءنا المنتصرين. هكذا، صارت فلسطين نوعاً من «أرض الميعاد» والفلسطينيون «شعب الله المختار»، ولكن بطريقة مقلوبة. ولذلك نراهم إما شهداء أو في طريقهم إلى الشهادة، بينما هم في دواخلهم بشرٌ يحبون الحياة، ويريدون أن تنتهي مأساتهم ويعودوا إلى أرضهم».



5 تواريخ


1954
الولادة في بيت جالا (فلسطين المحتلّة)

1977
حصل على جائزة الشعر من
«رابطة الكتاب الأردنيين»، وصدرت باكورته
«عرض حال للوطن» بالاشتراك مع محمد الظاهر

1982
أشرف على القسم الثقافي لمجلة «الحرية» في دمشق

1993
عاد إلى رام الله عقب اتفاق أوسلو

2011
يواصل عمله مشرفاً على الملحق الثقافي
لجريدة «الأيام»، وتصدر له في الخريف مختارات شعرية بالإنكليزية عن منشورات Yale University Press
في الولايات المتحدة الأميركية