الرباط | منذ أيام، لم يعد للمغرب «مشارف» يُطل به على الثقافة المغربية والعربية. إدارة القناة الأولى في التلفزيون المغربي، قررت وقف البرنامج الذي أطفأ شمعته الخامسة قبل شهر من دون أي تبرير. مع العلم أنّ البرنامج الذي يعرض كل أربعاء، حظي بنجاح في الساحة الثقافية المغربية بفضل حلقاته التي جمعت وجوهاً من مختلف المرجعيات والحساسيات مغربياً وعربياً. «مشارف» الذي يعدّه ويقدّمه الشاعر والزميل ياسين عدنان بث أكثر من 200 حلقة، استقبلت مثقفين مغاربة وعرباً من مشارب مختلفة، بدءاً بالشعراء الشباب الذين جاؤوا مع موجة الكتابة الإلكترونية، وصولاً إلى شعراء الستينيات، إضافةً إلى استضافته روائيين وباحثين وفنانين وصحافيين. البرنامج انفتح أيضاً على أسماء بارزة بينها أدونيس، والطاهر بن جلون، وأحمد فؤاد نجم، وسعدي يوسف، والطاهر وطار، وعباس بيضون، وقارب أسئلة مهمة في الثقافة المغربية كالمكونين اليهودي والأمازيغي بلغة تجمع بين العمق الثقافي وبساطة الأسئلة. وسط الصمت الذي اعتصم به التلفزيون المغربي، رأى مقربون من ياسين عدنان أنّ القطرة التي أفاضت الكأس هي حلقة كانت تستضيف إدريس بنسعيد. عالم الاجتماع المغربي كان سيتحدّث عن الحراك الذي تعيشه المغرب اليوم مع دينامية حركة «20 فبراير». ويبدو أنّ موضوع الحلقة التي تندرج ضمن سلسلة حلقات كان سيطرحها عدنان تحت بنط عريض هو «بلاغ السوسيوليوجيا»، أزعجت المسؤولين في القناة الرسمية، خصوصاً أنهم تلكأوا في الآونة الأخيرة في بث حلقات عدة من «مشارف». وقد جاء في بلاغ حلقات السوسيولوجيا «وعياً من برنامج «مشارف» بحاجة الممارسة السياسية في المغرب إلى المعرفة الاجتماعية (...) يحاول البرنامج مواكبة الحراك الذي تعيشه المغرب اليوم مع دينامية «20 فبراير» بإعطاء الكلمة لعلماء الاجتماع في هذا النقاش».
إذاً، يبدو أنّ إلغاء البرنامج كان بسبب الحلقات التي تناقش حركة «20 فبراير»، بينما رأى آخرون أنّه نتيجة حتمية لتضييق الخناق على البرنامج بعد منع حلقة المفكر الإسلامي جمال البنا سابقاً ثم تأجيل حلقة الصحافي المغربي محمد العلمي مراسل «الجزيرة» في واشنطن. مسلسل التضييق على البرنامج استمر أيضاً من خلال تغيير ساعة بثه، فبعدما كان يُعرض في العاشرة والنصف ليلاً (بتوقيت المغرب)، تأجّل إلى ما بعد منتصف الليل في الكثير من المرات خلال السنة الأخيرة، قبل أن يقرر الرئيس المدير العام لـ«الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة» فيصل العرايشي إلغاء «مشارف» برمّته.
هذه الخطوة أثارت حفيظة المثقفين المغاربة على اختلاف مشاربهم. «اتحاد كتاب المغرب» و«بيت الشعر» أصدرا بيانين يدينان منع البرنامج الثقافي. وقد جاء في بيان الاتحاد «نطالب الجهات المعنية بالتعجيل برفع اليد عن برنامج «مشارف» الذي أصبح مكسباً يعتزّ به إعلامنا المرئي، وتفخر به الطبقة المثقفة». وأبدى «بيت الشعر» استياءه من إلغاء البرنامج واصفاً إياه بأنّه «نحت حضوراً مضيئاً في مشهدنا الثقافي والإعلامي، مستحضراً كثيراً من رموز الثقافة المغربية والعربية والإنسانية، ومحاوراً مختلف الحساسيات والأجيال الثقافية، ما جعله أحد أهم برامج الثقافة».
من جانبه، كتب الصحافي والقاص المغربي سعيد منتسب على صفحته على «فايسبوك»: «العرايشي يعلن وفاة برنامج «مشارف». ليس المطلوب أن نمشي في الجنازة ونعدد مناقب الفقيد. ليس المطلوب الاكتفاء بالتوقيع على بيانات الشجب والتنديد. المطلوب أكثر من ذلك. هذه دعوة إلى التفكير الجماعي في أشكال مقاومة «المخزن» (الطبقة الحاكمة) الإعلامي».


بيان اتحاد كتاب المغرب


بيان بيت الشعر في المغرب


بيان تضامني مع مشارف