لأن التصوّف تجربة فردية غير محصورة في عقيدة، فهي تجربة فوق المعايير العلمية التي تبدأ بمقدمات، لتنتهي بنتائج منطقيّة إن لم نقل رياضية. يقول المفكر الراحل نصر حامد أبو زيد في كتابه «الفكر الصوفي»، إنّ التجربة الصوفية في جوهرها «محاولة لتجاوز حدود التجربة الدينية العادية، تلك التي تقنع بالعادي والمألوف من مظاهر التصديق والإيمان وتقتصر على مجرد الوفاء بالتكاليف الشرعية... إن الصوفي يطمح إلى تجاوز حدود الإيمان «للدخول في تخوم «الإحسان»». هل يمكننا إذاً أن نفسِّر شطحات الحلاج على أنها محاولة لتجاوز حدود التجربة الدينية التقليدية، وتأويلات قبل فقهاء السلطة العباسية الذين كفّروه وأهدروا دمه؟لقد ظهرت دراسات عن الحلاج قبل أطروحة ماسينيون. ومن بين هذه الدراسات ما قام به المستشرق البروتستانتي ف. أ. تولوك. وتعدّ دراسته أوّل دراسة أوروبية عن الأصل المجوسي للتصوف الإسلامي بما فيه تصوف الحلاج. غير أن تولوك غيّر آراءه في ما بعد، لأن دراسته كانت تفتقر إلى الطابع العلمي. وهناك دراسة أخرى قام بها الفرد كرايمر، يضع فيها الحلاج في خانة وحدة الوجود، خالطاً بينها وبين طريقة وحدة الشهود، وخصوصاً في ما يتعلق بمسألة التنزيه المطلق للذات الإلهية. وهناك بعض المستشرقين الذين عدّوا الحلاج نصرانياً، مثل أوغست مولر، وهي النظرية التي جاء بها ماسينيون في ما بعد. لكنّ ماكس هيرتون جاء بنظرية أخرى يفنّد فيها رأي جميع المستشرقين حول الأصول المسيحية للتصوف. حتى إنّه قال بالأصل الهندي للتصوف. يتميز الحلاج عن باقي المتصوفة برؤيته للموت بوصفه مخلِّصاًَ، يجعل جميع الأشياء تنسجم في وحدة واحدة. وبدل أن يقضي على الحياة، فهو يمنحها بمثابة كرامة. وليس هناك أكثر جحوداً من رفض الكرامة بالنسبة إلى المتصوفين لأنها من الفضل الإلهي. أحيت العقيدة الحلاجية في الإسلام أملاً للارتقاء بالروح الإنسانية إلى ما فوق المظهر الخارجي للعبادة، وذلك بفضل فلاسفة ومتصوفين كبار أمثال ابن عربي، وابن سبعين، وجلال الدين الرومي، وعبد الكريم الجيلي، وكثيرين غيرهم... تميز الحلاج أيضاً عن باقي المتصوفة بتفسيره الباطن للقرآن في كتاب «الطواسين». هذا التفسير سبق تفسير القشيري ومن تبعه في هذه الطريقة. أما اللغة التي استخدمها، فتقوم على جدليّة التواشج بين مفهوم الإشارة ومفهوم العبارة. لهذا كان لدى المتصوفة لغة خاصة تحميهم من الاتهامات بالردة والكفر، نتيجة سوء الفهم الحاصل في تفسير أقوالهم.
عندما سجن الحلاج بسبب اتهامه بالزندقة والكفر توسط له الكثير من الأعيان، من بينهم زوجة أحد الوزراء واسمها شغب من أجل إطلاق سراحه، شرط أن يتخلى عن مقولاته... لكنه رفض ذلك، فدفع الى المحاكمة التي استمرت سبعة أشهر، وقد كفّره فقهاء عصره. ثمّ قطِّع وأحرق.