القبيلة التي أغرمت بقبلة السلطة المستبدة قبل نحو 1300 عاماً، حشدت «كومبارسات» القرى في فيلمها الهابط: «الشعب يريد إسقاط المحافظ النصراني». لم يفهم حسين النجار، معنى كلمة قبطي. أدّى واجبه المقدس على أكمل جهل. مشايخ القبائل الرئيسية (عرب وهوارة وأشراف) متواطئون تاريخياً مع الدولة المركزية، ضد الغالبية. وهم أنتجوا بواسطة المثلجات، وصناديق السجائر الأجنبية، كل شيء.
استوقفني المحتجون أمام مبنى محافظة قنا (جنوب القاهرة). سألت محمد عبد الوارث (سائق أوتوبيس): لماذا لا تهتفون «حرية، وعدالة اجتماعية»؟ ظنَّني مسيحياًَ وهرّب نفسه إلى دائرة صبية وباعة متجولين، تطاحنوا لنيل شرف التعميد أمام كاميرا قناة فضائيّة (طبعاً بشروط المنتج، والمراسلة «إسلامية»).
على كراسٍ بلاستيكية متجاورة، جلس مدير أمن قنا، ورجال شرطة صغار، ووجهاء قبائل (عصابة الحزب المنحل). لم يتغير ترتيب هذه الجلسة في الانتخابات الرئاسية والنيابية المزورة، في الأعوام الثلاثين الأخيرة. على أن السلفيين أدخلوا في المقامرة الجديدة ببطاقة الدين. بعد تجميد قرار تعيين عماد ميخائيل محافظاً لثلاثة أشهر، يغيب أقباط قنا حتى اللحظة عن الصورة، وهم غابوا منذ بدء الاحتجاجات. السلفيّون، شركاء الأمن، هددوهم بحرق الكنائس، فآثر الغائبون السلامة في بيوتهم.
طيلة اليومين اللذين قضيتهما مع المحتجين، بقي رجال الشرطة الصغار، يحرسون مكبِّرات الصوت، مقابل وجبات فاخرة. بشرى مغاريوس (طبيب شاب) تعرض للسبّ الفاضح، من فقراء الوعي والجيب، لأنّه طلب الميكروفون لتفسير رفضه لمساعد وزير داخلية سابق، قتل الثوّار. لم يكن بعيداً عن ذهن بشرى، مشهد قطع أذن قبطي بيد سلفي.
الأزمة في قنا لن تحل بمسلم بديل. السلطة الجديدة تريدها «طائفية» بمعاونة الانتهازيين التاريخيين (قبيلة وسلفيون). والفقراء المغفّلون، مسيحيون ومسلمون، يجمعون ثمار الفرقة، ويضعونها في سلة المجلس العسكري ـــــ القبيلة. و«كلُّه في سبيل الله». قالها أحد المشايخ بتأثُّر مكشوف.