ماذا يعني أن تذهب لحضور معرض لفنان عراقيّ «معاصر»؟ كيف يمكن أن يتجاوز فنان تحوّل نشرات الأخبار إلى «فيديو آرت»، وصور الدّمار إلى «تجهيزات فنيّة»؟ التحدّي الثاني هو تجاوز الفنانين العراقيين المعاصرين الذين نقلوا الفن العراقي إلى أبعاد أخرى، أمثال رافع الناصري، وفائق حسن، وجواد سليم.لكن في معرض عادل عابدين (1973) الذي تستضيفه «دارة الفنون» في عمّان، ولا يحمل أي عنوان، تكتشف أن ما كان ينقص المشهد الفني العراقي هو التهكّم الذي يضاعف المعاناة!

يستعمل عابدين المقيم في فنلندا، كل ما تختزنه مخيلة العراقي المعاصر: جسور مهدّمة، وخبز، وجدران ملوّثة بالنفط، وعبارات الاعتذار. يستعمل عبارة «أنا آسف»، في تجهيز مقتبس عن لافتات نوادي لاس فيغاس المبهرَجة. خلال زيارته الأولى للولايات المتّحدة، كان يُسأل عن بلده فيجيب: العراق. كان يأتيه رد الفعل دوماً: Sorry (أنا آسف). يقول عابدين: «كأنّما ظهرت بلاد جديدة اسمها Sorry»...
هذه البلاد لا يمكن العبور إليها، والخروج منها، إلا إذا كان الشخص لاجئاً، أو محاصراً، أو مهدّداً بالنزوح. لذلك، وفي تجهيز «الخطة ب»، لا يستطيع الزائر المرور إلى الجانب الآخر من المعرض إلا بالسّير فوق «فرُش» على الأرض ترمز إلى «عدم استقرار الأرض تحت أقدام المهجّرين، ما يقود إلى فقدانهم للاتجاه». وتأتي «الخطة ب» لتوفّر بدائل دائمة أو مؤقتة على مفترق الطريق. هذا التهكّم يبلغ حدّه الأعلى ليتفاقم في «خبز الحياة» (2008). في هذا الفيديو/ التركيبيّ، يعزف أربعة موسيقيين في أحد كباريهات القاهرة إيقاعاتهم على أرغفة خبز. هكذا، ينجح في التشويش على صورة «مصدر الحياة لدى بعض الثقافات» من خلال تجريد الخبز من قدسيته.
الأطفال أيضاً مجرّدون من قدسيتهم. في عمله الفيديو/ التركيبيّ «المفردات الشائعة»، يقارب تعامل الأطفال مع المفردات الجديدة التي فرضتها الحرب على بلاده. لذا جرت الاستعانة بأطفال لكتابة هذه المفردات على جدران المعرض. إضافة إلى فيديو لطفلة عراقيّة الأصل لا تتكلم العربيّة، يحاول الفنان تلقينها المفردات: «القاعدة»، إعادة إعمار، عبوة ناسفة، الله يرحمه، مقبرة جماعيّة، وغيرها. تستمد أعمال عابدين أهميتها من خفّتها في تصوير الوضع القاتم في العراق. لكن هذه الخفة تختفي عندما تقترب من الأفكار المباشرة. الحل، إذاً، إمّا بالابتعاد عن ادّعاء الحكمة، أو مواصلة التمارين على الخفّة والتهكّم.



معرض عادل عابدين: حتى 26 أيار (مايو) ــــ «دارة الفنون» (عمان). 0096264643251