ذات يوم شاحب من عام 1960، هوت طائرة أميركية كانت تقل على متنها مغني الروك الشهير ستيفي راي فوغن. ولم يكن SRV، كما كان يعرفه الجمهور، مغنياً عادياً ولا حتى عازف غيتار عابراً، بل كانت بصمته بالغة في خمسينيات القرن الماضي، خصوصاً مع فرقته Double Trouble التي كانت من أشهر فرق الروك حينها. ولأنّ الدراما تولّف لعبتها بمحاذاة حياة بعض المشاهير، سبق لفوغن أن تنبأ برحيله قبل الحادثة بفترة قصيرة، ليترك معجبيه في حالة ذهول وخيبة. قبل هذه الحادثة، وبحسب ما تفيد محرّكات البحث الإلكترونية، فإن طائرة الرحلة رقم 777 التابعة للخطوط الجوية البريطانية وهي من نوع «دي سي 3» عابرة للبحار، انطلقت في الأوّل من حزيران (يونيو) عام 1943 من مطار بورتيلا في لشبونة. كان يفترض أن تصل إلى بريستول في المملكة المتحدة إلا أنّها تعرضت لهجوم من قبل ثماني طائرات مقاتلة تابعة للطيران النازي فتهاوت لتستقر نتفاً في خليج بسكاي من دون أن يُنتشل أحد من ركّابها وهو على قيد الحياة.
وشاءت المصادفات يومها أن تكون تلك السفرة هي الرحلة الأخيرة للممثل ليزلي هاوارد أحد نجوم الفيلم العالمي الشهير «ذهب مع الريح» (أنتج سنة 1939 عن رواية لمارغريت ميتشيل تحمل الاسم نفسه). الحادثتان لم تكونا سوى ومضة عابرة في صاعقة الاغتيالات المنظمة التي لاحقت سياسيين ووزراء ورؤساء دول عن طريق حوادث طيران يُرجّح أن غالبيتها، إن لم تكن جميعها، قد خُطط لها ونُفذت بعناية فائقة.
في هذا السياق، وقبل بضعة أشهر، نشرت صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية قائمة بأشهر السياسيين الذين ودّعوا الحياة من علوٍّ شاهق أثناء رحلاتهم الجوية. تبدأ القائمة بحادثة تحطّم طائرة رئيس وزراء أفريقيا الوسطى عام 1959، لتنتهي بحادثة مشابهة أصابت طائرة الرئيس البولندي عام 2010. كل ذلك ربّما يمهّد الطريق أمام فوبيا حقيقية من وسيلة النقل الأكثر أماناً في العالم، كونها الأقل تسجيلاً للحوادث نسبة إلى مئات آلاف الرحلات اليومية، ومقارنة مع وسائل النقل الأخرى.
غالبية الظن أنّ نجوم الفن في عالمنا العربي يعانون من هذه الفوبيا، وربّما تكون أسفارهم الكثيرة سبباً إضافياً لتكريس الخوف الزائد، على عكس ما يعتقد معظم الناس. فظروف عمل النجوم تجبرهم على السفر المتواصل، وإمضاء ساعات طويلة في الطائرة. هكذا، تداولت المواقع الإلكترونية في الفترة الماضية خبراً يفيد بـ «نجاة الفنان اللبناني وائل كفوري من موت محقق أثناء وجوده على متن الطائرة المتجهة إلى المغرب بعد أن أصيبت عجلاتها بخلل مفاجئ، أدّى إلى حدوث بعض المشاكل في هبوط الطائرة. الأمر الذي اضطر الكابتن البقاء في الجو لمدّة نصف ساعة إضافية. وفي هذه اللحظات أصيب كل من على متن الطائرة بحالة من الذعر، فيما توجّه صاحب أغنية «صفحة وطويتا» إلى المقصورة وجلس إلى جانب القبطان إلى أن تمكن الطيّار من التعامل مع المشكلة».
وكان المطرب اللبناني وائل جسّار قد تعرّض إلى حوادث بسيطة خلال سفره المستمر، جعلته يصبح أكثر تيقظاً وحذراً من المسافرين العاديين، إلى درجة أنّه ذات مرّة تنبّه وهو في الجو إلى صوت غريب ينبعث من محرك الطائرة، فتوجّه نحو فريق القيادة ليخبره بما يشعر به. والمفاجأة كانت أنّ الطائرة تعرّضت فعلاً إلى عطل تقني بسيط لتتم معالجته بشكل طبيعي.

يلجأ عبد المنعم عمايري وأمل عرفة إلى النوم
الحالة نفسها تعيشها المغنية نانسي عجرم التي قرّرت منذ فترة أن يكون زوجها طبيب الأسنان فادي الهاشم برفقتها في غالبية سفراتها، خصوصاً في ظل الأحوال الجوية السيئة التي تعيق هبوط وإقلاع الطائرات. المسألة تنسحب أيضاً مع الإعلامي طوني خليفة الذي يتأخّر عادةً بشكل مقصود قبل التوجّه إلى الطائرة حتى يوفّر على نفسه وقت الانتظار الذي يفتح المجال للأفكار السوداوية قبيل الإقلاع. وكلنا يعرف جيداً فوبيا الموسيقي الياس الرحباني من الطيران!
على الضفة السورية المجاورة، يمتلئ الوسط الفني بالحالات المشابهة. سبق للنجم عبد المنعم عمايري أن صرّح مراراً أثناء تصويره برنامج «شكلك مش غريب» أنّه يعاني من فوبيا الأماكن المغلقة كالمصعد الكهربائي والطائرة، لكنّه يعرف كيف يحتال على الموضوع ويقضي سفراته نائماً. وهو ما تفعله أيضاً زوجته النجمة أمل عرفة. وعلى الرغم من تميّز المخرج حاتم علي وأسفاره المتكرّرة، إلا أنّه ما زال حتى اليوم يشعر بالقلق والتوتر من الطيران. أما النجم جمال سليمان، فلم يسبق له أن تسللت إلى داخله حالة التوجّس تلك إلا عندما تتعرّض إحدى الطائرات إلى حادث خطير. من جهته، سبق للممثل غسان مسعود أن صرّح لنا بأنّه رافق كابتن الطائرة أثناء الهبوط، وأنّه رغم حساسية المشهد تمكّن من مشاهدته حتى النهاية.
بين هذا وذاك، تبقى مسؤولية تكريس هذه الفوبيا ملقاة على عاتق برامج تلفزيونية تدّعي الترفيه وإيقاع الناس في فخ المقالب «الكوميدية»، غير أنّها في واقع الأمر تمارس إرهاباً نفسياً على الضيوف. وهو ما حصل في رمضان 2015 في برنامجي «رامز واكل الجو» (تقديم رامز جلال) و«هبوط اضطراري» (تقديم هاني رمزي).