بعد ثلاثة عقود من العمل في الميدان الصحافي والنضالي، يبقى محمد بن شيكو أحد أشهر نماذج المثقف الملتزم الذي يدافع عن مواقفه وخياراته الثابتة. له أربعة كتب ممنوعة من التداول في الجزائر. انتهج خط المعارضة في مواجهة النموذج الأوحد الذي تفرضه الحكومة الجزائرية، فكان الثمن الذي دفعه باهظاً... لكن سنوات السّجن والملاحقات القضائية الماراتونية لم ترهقه. من باريس، يتابع اليوم تطوّر الثورات العربية، ويواصل الكتابة والنشر والتطلّع إلى نهاية حكم الطاغية في بلد المليون ونصف المليون شهيد. «يراهن النظام المستبد في الجزائر على كسب الوقت فقط. لعب جميع أوراقه وفشل في كسب إجماع على خياراته الارتجالية. أعتقد أن نهايته صارت جد وشيكة».«عمي محمد» كما يناديه المقربون، ما زال يحتفظ بنبض الشباب. عاصر الكثير من التحوّلات التي عرفتها بلاده الجزائر، وخاض تجربة صحافية طويلة، بدأها في وكالة الأنباء الجزائرية عام 1975، واستتبعها في صحيفة Algérie Actualités، وصحيفة «المجاهد». بعد إقرار قانون الصحافة المستقلة، أنشأ صحيفة Alger Républicain عام 1989، جاعلاً منها حينذاك لسان حال اليسار... وأخيراً أسس صحيفة Le Matin التي صدرت بين عامي 1991 و2004، وكانت من أكثر الجرائد انتشاراً في جزائر التسعينيات، قبل أن يصدر في حقها أمر بالتوقيف. «بعد إعادة انتخابه لعهد رئاسي ثان في نيسان (أبريل) 2004، قرّر بوتفليقة الشروع أولاً في التخلص من معارضيه»، هكذا يعلِّل بن شيكو سبب توقيف الجريدة التي اشتهرت بجرأة خطها الافتتاحي المعارض، وتجاوزها المحظور، وميلها إلى كشف الملفات الساخنة والحساسة، وخصوصاً تلك المتعلِّقة بدور الجيش، وتورطه في بعض قضايا الإرهاب: «عندما بدأت بالعمل على إطلاق جريدة «لو ماتان»، كانت في ذهني فكرة أساسيّة: أن يكون هذا المنبر الإعلامي صوت من لا صوت لهم. أخذنا على عاتقنا الدفاع عن الفئات المحرومة، وليس العكس كما تفعل بعض الجرائد التي تدَّعي الاستقلالية».
لكن متاعب بن شيكو لم تتوقّف عند حدود المنع التعسّفي لجريدته من الصدور، بل تعدتها إلى سجنه لسنتين (2004 ــــ 2006) على خلفية اتهامه زوراً بتهريب أموال عبر مطار الجزائر الدولي! تزامنت قضيّة سجنه مع صدور «بوتفليقة، خدعة جزائرية» الذي منع على الفور. وفيه يكشف النقاب عن الوجه الخفي لرئيس الجمهورية. نقرأ: «لا بد من ألّا ننسى أن الرجل سجّل حضوره في الكثير من الانقلابات والمؤامرات السياسية التي شهدتها البلاد، وعاث فساداً، ثم صار بقدرة قادر رئيساً».
تجربة السجن لم تكن سهلةً قط، وقد سرد محمد بن شيكو بعض زواياها في كتاب «سجون الجزائر» (2007) الذي صودر في «معرض الجزائري الدولي للكتاب»، وغضت السلطة النظر عن تداوله في بعض المكتبات. «أرادوا تخويفي وإخضاعي، لكنّ مخططهم فشل، فلست أرضى بالانبطاح، ولم أسمح لنفسي بإعطاء مثال سيّئ لكل هؤلاء الذين اختاروا السير على نهج الحرية. مؤامرة سجني كان هدفها إحباط من يحاول القيام بخطوات مشابهة وتحدّي السّلطة». بعد الإفراج عنه مباشرةً، نشر بن شيكو مقالاً طويلاً حمل عنوان «لا تخشوا سجونهم»، يفكّك فيه أساليب الحكم البوليسية القمعية، ويجدد العهد على مواصلة الطريق ذاته.
وإلى اليوم لم ينقطع الرجل عن الكتابة الثائرة. أصدر أخيراً نصاً مسرحياً على شكل مونولوغ، يحمل عنوان «مساء الديكتاتور الأخير». نسأله عن هذه التجربة المفاجئة، فيردّ: «فكرة المسرحية تراودني منذ وقت، وقد منحني إياها الممثل سيد أحمد أقومي. كذلك استلهمت الكثير من الثورتين التونسية والمصرية. ومن خلال قراءاتي لهوبس وماكيافيلي، رسمت ملامح الديكتاتور العربي». الفكرة المركزيّة لدى هذا الكاتب المشاكس هي أنّ الجمهوريات العربية ترفع شعار الديموقراطية من جهة، لكنّها تستمد حكمها من منطلقات ملَكية من جهة أخرى. وهي بذلك تتعامل مع شعوبها وفق علاقة العبد والسيّد. وعوضاً عن القيام بدورها النهضوي وتأدية مهماتها، تكرّس جلَّ جهدها واهتمامها لفرض الرقابة ومراقبة الآخرين ضماناً لبقائها.
ماذا عن الديكتاتور الجزائري تحديداً؟ «هناك من يظنّ أن القضية بيني وبين بوتفليقة قضية شخصية. أؤكد أنني لم ألتق الرئيس يوماً، وكنت سأفعل الشيء نفسه لو حلّ مستبد آخر مكانه». وفي ظل توسع مدّ ربيع الثورة العربي، يعتقد بن شيكو أن ريح التّغيير ستبلغ، عاجلاً أو آجلاً الجزائر، وأن الرئيس الحالي لن يكمل ولايته الرئاسية التي تنتهي عام 2014. «عاشت الجزائر ثورة عام 1988، غيّرت خلالها الكثير من المسلّمات السياسية بما في ذلك الدستور. واليوم نحن بأمسّ الحاجة إلى مواصلة الثورة التي شرعنا فيها».
يكرّس صاحب ديوان «سأغفر لكم» غالبية وقته، إلى جانب الكتابة الأدبية، لمتابعة تطورات الأوضاع في بلاده والعالم العربي. وتصدر هذه الأيّام باكورته الروائية «أكذوبة الله»، وفيها يسرد قرابة قرن ونصف القرن أو أقلّ من تاريخ الجزائر. رواية تسلط الضوء على شخصية يوسف الذي خاض الحرب العالمية الثانية، ثمّ حرب الجزائر، ليجد نفسه، في نهاية المطاف، متسولاً. نكتشف أنّ يوسف هو ابن مناضل، شارك في الحرب على إسرائيل، وقبلها في الحرب الإسبانية. هكذا تمتدّ خيوط السرد من بداية الأزمة الجزائرية في القرن الماضي إلى بزوغ الحركة الإسلاموية.
اكتسب محمد بن شيكو صدقيته بفضل تشبّثه بقيمه اليسارية، ورفضه الانخراط في لعبة النظام رغم الإغراءات الكثيرة التي تعرّض لها. تجده لا يزال مصرّاً على مواصلة الدفاع عن اقتناعات ورؤيات يعتقد أنّها تصبّ في خدمة الوطن. فبعدما رفضت السلطات الترخيص لإعادة إطلاق «لوماتان»، حوّلها إلى صحيفة إلكترونية... في ختام لقائنا، يشدّد على الدور الكبير المنوط بالصحافة المستقلة في الجزائر. «صحيح أنّنا تجاوزنا الصحافة الأحادية ـــــ صحافة الحزب الحاكم ـــــ لكننا نبقى بعيدين عن الصحافة الحرة بمعناها الحقيقي».



5 تواريخ

1952
الولادة في مليانة
(غربي الجزائر العاصمة)

1975
التحق بـ«وكالة الأنباء الجزائرية»

1991
أسس صحيفة «لو ماتان» اليومية التي أوقفتها السلطات الجزائرية عام 2004 وسجنت مؤسسها لسنتين

2006
حاز جائزة PEN الأميركية العريقة لحرية التعبير

2011
صدور روايته الأولى «أكذوبة الله» عن دار «ميشالون» الفرنسيّة، وتدور أحداثها على امتداد ١٣٠ سنة من تاريخ الجزائر، وصولاً إلى سبعينيات القرن الماضي