الرباط | ما زالت تتواصل حملات التضامن مع رشيد نيني (1970) الذي يقبع حالياً في «سجن عكاشة» على خلفية مقالات نشرها في زاويته اليومية «شوف تشوف» في صحيفة «المساء». وقد رفضت المحكمة الابتدائية في الدار البيضاء أخيراً طلب إطلاق سراح موقت للصحافي المشاكس المتهم بـ«المساس بأمن وسلامة الوطن والمواطنين». وقد أصدر عدد من الفنانين والمخرجين المغاربة بياناً يتضامنون فيه مع مدير نشر «المساء» من بينهم لطيفة أحرار، ونعمان لحلو، وسعيد الشريبي، وثريا جبران ونوقل البراوي، وناصر بوقسيم والممثل عبد الله العمراني...
قبل نحو أسبوعين، اتصلت «الضابطة الوطنية للشرطة القضائية» (جهاز أمني ذو سلطة واسعة للتحقيق في ملفات الإرهاب والمخدرات والجريمة المنظمة والفساد) برشيد نيني، مدير نشر جريدة «المساء» الأكثر مبيعاًَ في المغرب. استُجوب الصحافي ساعات حول مصادر نشرها في جريدته قبل أن يطلق سراحه، ثم استدعي في اليوم التالي، ليتأكد خبر اعتقاله رسمياً لمدة 96 ساعة. كذلك صدر بلاغ لوكيل الملك (النائب العام) صيغ بطريقة قاسية تدين مسبقاً الصحافي. إذ رأى أنّ اعتقاله جاء على خلفية «مقالات تنتقد سير المؤسسات الأمنية وتتهم بعض الشخصيات العامة بخرق القانون لدى معالجة القضايا العامة المكلفين بها ومن بينها الأحداث الإرهابية التي شكك فيها (نيني) إلى حد المطالبة بإلغاء قانون الإرهاب ومحاسبة المسؤولين المتورطين في صنع هذه القضايا وفبركتها».
الطريقة التي صيغ بها بلاغ وكيل الملك وملاحقة نيني، أعادت إلى الأذهان قضية مصطفى حرمة الله، صحافي جريدة «الوطن الآن» الذي اتُّهم عام 2007 بتسريب معلومات تخص الدفاع الوطني. يومها، نشر تقريراً يفيد بتأهب المؤسسات الأمنية تخوفاً من هجمات إرهابية، قبل أن يدان بعقوبة السجن.
قرار اعتقال نيني حرك موجة إدانة واسعة في صفوف الرأي العام. صحافيو «المساء» رأوا أنّ سبب اعتقاله «مقالات ندّد فيها بالفساد وخصوصاً في محيط الملك». كذلك، انتقدت مقالات نيني الإدارة العامة لمراقبة التراب الوطني المعروفة اختصاراً بـ«الديستي»، وأداء الأجهزة الأمنية. كذلك طرح تساؤلات حول رواية هذه الأجهزة للأحداث الإرهابية التي وقعت في المملكة في 16 أيار (مايو) 2003، واعتُقل على إثرها الآلاف. وأصدرت «المساء» منذ فترة ملفاً صادماً عن شهادات معتقلين سلفيين تعرّضوا للتعذيب بعد حملة اعتقالات 2003، في مقر الاستخبارات المغربية في تمارة. مقر تحول إلى معتقل يطلق عليه المغاربة «غوانتانامو» لما شهده من انتهاكات لحقوق الإنسان خلال العقد الأخير.
انتقاد الاستخبارات جاء وسط مناخ عام يدين ممارساتها القمعية، إذ إنّ مسيرات «حركة 20 فبراير» طالبت أيضاً بإخضاع المؤسسات الأمنية لرقابة الحكومة والبرلمان، ممّا دفع كثيرين إلى الربط بين اعتقال نيني ومحاولة الأجهزة الأمنية إسكات الأصوات التي تنادي بإخضاعها للرقابة.
لكن اعتقال الصحافي وإصدار مذكرة بمنعه من مغادرة التراب الوطني، والتحقيق مع أفراد عائلته حركت مساندة قوية من صحافيين وقوى مدنية وحزبية. العاملون في مجموعة «المساء ميديا»، وأعضاء عن «العصبة الدولية للصحافيين» و«نقابة الصحافيين المغاربة» نظموا وقفات وتظاهرات احتجاجاً على «الاعتقال التعسفي لرشيد نيني في قضية نشر عادية» فيما رأى «اتحاد كتاب المغرب» اعتقاله «خرقاً سافراً لمهنة الصحافة ومساً خطيراً بحرية التعبير».
«الفيسبوكيون» المغاربة بدورهم أسسوا صفحات للتضامن مع نيني الذي يعدّ أحد أكثر كتّاب أعمدة الرأي شعبيةً في المغرب. أما بيان «منظمة مراسلون بلا حدود»، فرأى احتجازه منافياً للوعود التي قطعها الملك محمد السادس في خطابه الشهير في 9 آذار (مارس). خطاب أكد فيه ضمان الحريات ومنها حرية الصحافة... «صاحبة الجلالة»!