حين قرّر الفتى أن يكون كاتباً، فكّر كثيراً في الجنس الذي قد يبدع فيه. كتب أوّل قصيدة في الصف الخامس الابتدائيّ، ثمّ كتب القصّة أثناء المرحلة المتوسطة، لكن السؤال بقي قائماً. كان حامد المالكي كلّما توغّل في قراءة السير الذاتية للكتّاب العالميين والعرب والعراقيين، يعود إلى نفسه مستفهماً: لِمَ لا أرى نفسي في سيرهم؟
أجواء العائلة ليست بعيدة عن ميادين الإبداع. حتـّى شقيقه الأكبر، الضابط في الجيش العراقيّ، درس الفنّ التشكيليّ. له شقيق ثانٍ رسّام مغترب في ألمانيا اسمه علي، هو الذي زرع فيه حبّ الفنّ والسينما. «كان يصطحبني إلى «كليّة الفنون الجميلة» حيث يدرّس، وإلى صالات السينما الرائجة قبل ثلاثين عاماً، وهو وجّهني لأكون سينمائيّاً».
بين مكتبة والده البسيطة، وكانت معظم محتوياتها عن الإمام علي، ومكتبة أحد الأقارب الذي كان شيوعياً هرب إلى السويد من بطش صدام، تشكّلت معرفته الأولى. أضاف إليهما لاحقاً مكتبة المدرسة الشبيهة بمكتبات الجامعات، كونها تعود إلى «مدرسة الثانوية الشاملة ـــــ السويديّة» في بغداد.
لا يتذكر المالكي اليوم أنّ طفولته مرت بمرحلة اللعب في الأزقة كباقي أقرانه. يعترف بأنه كان انطوائياً، يقضي جل وقته في غرفته ليقرأ، ما أثار قلق العائلة، إلى أن أدركت أنّ مصير ابنها متعلّق بعزلته الواعية. «كنت أعد نفسي لأكون روائياً، وكتبت روايات عدة لم تكتمل، لم أعرف حتى الآن سبب ذلك». هكذا يشرح بداية انطلاق أحلامه الكبيرة، ليواصل بعدها دراسة السينما ويتصاعد معها شغفه بالإخراج. غير أنّ نصيحة مؤسّس قسم السينما في «كليّة الفنون الجميلة» في بغداد، غيّرت مساره، بعدما شجعه على دخول عالم السينما من بوابة السيناريو، لا من خلال الإخراج. شرع بكتابة السيناريو، وهو في المرحلة الثانية من الدراسة الجامعيّة، غير أنّ حلم الإخراج السينمائيّ لم يفارقه.
بعد تخرّجه عام 1993، وصل إلى القناعة الآتية: حلمه بأن يكون روائيّاً بات صعباً في زمن الحصار والخوف: «قلت لنفسي إنّ الرواية غير مجدية لي، فدخلت معترك السيناريو. رواية القرن الحالي هي السيناريو، لأنّّه لم يعد هناك متسع من الوقت للإنسان المعاصر، ليقرأ حكاية في أيام عدة، فيما يستطيع مشاهدتها في فيلم من ساعتين». لكنّه سرعان ما اصطدم بحقيقة أنّ «الكتابة التلفزيونيّة في العالم العربيّ متعبة»، رغم المتعة الكبيرة التي يشعر بها الكاتب عندما يعرض عمله على الشاشة. «هناك فضائيّات عراقيّة ـــــ برأيه ـــــ تحاول فرض رؤيتها السياسيّة على النصّ التلفزيونيّ»، ليكون السيناريست مخيّراً بين السقوط في امتحان الإبداع أو الانتصار لنفسه ولثوابته.
اليوم بعد اعتزاله الكتابة للتلفزيون، يبدو مقتنعاً بأن «السنوات العشر المقبلة، ستشهد تخلي الناس عن التلفزيون، وخصوصاً أنّ موقعاً مثل يوتيوب يجعلك مخرجاً وكاتباً وممثلاً وصاحب قناة فضائيّة وصاحب شركة إنتاج ومقدّم برامج في آن!». برأيه، أنّ اليوم الذي سيظهر فيه «جيل من كتّاب الإنترنت ومخرجيه وممثليه آتٍ لا محالة».
طريقته في الكلام على «محاكمة» المنجز الإبداعيّ، سواء في الشعر أو الرسم والغناء، تعبّر عن شعور دائم بالقلق إزاء محاولته تقديم الأفضل. لهذا حملت معظم أعماله التلفزيونية هذه المحاكمة المفترضة، ومنها «سارة خاتون» لصلاح كرم، و«اللاهثون» لعادل طاهر، و«جواهر اللغة» لفيصل الياسري، و«عائلة في زمن العولمة» لعلي أبو سيف، و«فوبيا بغداد» لحسن حسني.
إذا راقبنا كتاباته، نجد أنّ أهمّها جاءت بعد الاجتياح الأميركي للعراق. نسمعه يقرّ: «حصلنا فعلاً على فسحة من الحرية، غير أنّ بعضهم يحاول اليوم سرقتها. مثلاً مسلسل «الحبّ والسلام»، وما يحمله من انتقادات للحرب العراقيّة الإيرانية، لو عرض قبل عام 2003، لكنت الآن بلا حبّ ولا سلام بل ولا حتّى حياة».
يستطرد في سرد تصوّره لما كان يمكن أن يتعرّض له لو قدمت أعماله في زمن صدّام حسين. يعدّ الآن لمسلسل جديد بعنوان «أبو طبر» سيعرض في رمضان على شاشة «البغداديّة». يحكي العمل قصة السفاح العراقي حاتم كاظم هضم الملقب بـ«أبو طبر» الذي أشاع الرعب في المجتمع العراقيّ، وما زال الناس يرددون قصص ضحاياه في سبعينيات القرن الماضي.
في معظم أعماله، تناول الهمّ العراقيّ خلال السنوات التالية للغزو. هكذا، تنوّعت المعالجة من الكوميديا الساخرة كما في «عائلة في زمن العولمة»، إلى تجسيد المحنة العراقيّة، وواقعة سجن أبو غريب في «رسائل من رجل ميت»، إضافةً إلى انعكاسات الحرب العراقيّة الإيرانيّة في «الحبّ والسلام». أمّا موضوع هجرة العراقيّين القسرية إلى سوريا، فيتطرّق إليها في سيناريو مسلسل «السيّدة» الذي عرض في رمضان الماضي، وعنوانه مستلهم من اسم «حي السيّدة» السوري.
يربط مشاكل الدراما المحليّة وصعوباتها بالواقع السياسيّ العراقيّ. بعدما كانت رائجة في سوق الخليج، «أتى الغزو العراقي للكويت، ليكون بداية منع هذه الأعمال من العرض في الخليج، ولتصير الدراما السوريّة بديلاً من العراقيّة» يقول.
رغم تجربته الغنيّة، لا تفارقه عبارة «رائد الموجة الجديدة» السينمائي جان لوك غودار: «السينما ذاكرة والتلفزيون نسيان». يشعر بثقل الخسارة بعد سنوات أمضاها في الكتابة المنسيّة، وهو يعترف بأنّه «نادم على عدم كتابة هذه المسلسلات كأفلام سينمائية».
يغادر بغداد بين الحين والآخر، ويرى فيها كلّ أبعاد المأساة العراقية ... «غالباً ما أراها امرأة جميلة ترتدي ثياباً ممزّقة، أو أنّها أمّ فقدت أبناءها وأخذت تولول في الطرقات». يصمت للحظة ثم يعاود القول: «لا أعرف حقّاً هل البقاء فيها مجد أم لا؟». لكنّه يشعر بيأس وجودي يستعر في داخله، بسبب زيادة التطرّف الديني في المنطقة، والصراعات الطائفيّة، وغضب الطبيعة على الإنسان. «لقد تصحرنا أرضاً وفكراً، وزادت الهوة بيننا وبين الغرب، لتصل الى حالة ذعر جماعي من النقاب. ليتهم يخافون النقاب الذي يغطي العقل لا الوجه»، ويختم حامد المالكي بشيء من السخرية: «أخشى أن تنشطر الكرة الأرضيّة إلى جزء منقب وآخر حر!».



5 تواريخ



1969
الولادة في بغداد

1984
فاز بالجائزة الثالثة
في مهرجان القصّة القصيرة في العراق

1993
تخرّج من قسم السينما
في «كليّة الفنون الجميلة»
في جامعة بغداد

1996
يكتب أوّل عمل تلفزيونيّ
بعنوان «عريسان في محنة»

2011
ينجز مسلسل «أبو طبر» عن حياة
السفاح العراقي حاتم كاظم هضم،
وسيعرض في رمضان المقبل