«الوكالة الوطنية للإعلام» غيّرت حلّتها أول من أمس. على الموقع الذي عهدناه رتيباً، تصميم حديث، وبوابة لتحميل الصور، وأخرى للنشرة الصوتيّة. الشاشات المحلية شهدت بدورها سابقة في تاريخ الجمهورية: أشرطة إعلانية تروّج للوكالة الرسمية NNA! هذا كلّه ليس إلا جزءاً من الاحتفالات باليوبيل الذهبي للوكالة التي توَّجها أمس مؤتمر احتضنه أحد الفنادق في ضواحي العاصمة. دروع وتكريمات وزّعت بالجملة في افتتاح المؤتمر. وعلى المنصة، تناوب وزير الإعلام طارق متري، والمدير العام للوزارة حسان فلحة، ومديرة الوكالة لور سليمان على تعداد إنجازات الماضي، وتحديات المستقبل. وفود من وكالات أنباء عربيّة وأجنبيّة، ناقشت مع إعلاميين لبنانيين «معايير التمييز بين الخبر والرأي»، و«صدقية الخبر وموضوعيته والسرعة في إيصاله». صبايا الوكالة، بمناديلهنّ الحمراء، استقبلن المؤتمرين الذين يستعدون اليوم لزيارة مغارة جعيتا، وتناول العشاء بضيافة وزير السياحة فادي عبود. كلّ هذا، والعاملون في الوكالة لا ناقة لهم ولا جمل في هذه «الهمروجة». لم يتلقَّ كثيرون من العاملين في الوكالة دعوة إلى العشاء التكريمي أمس. البعض ممن أمضى عقدين وثلاثة في مكاتب الوكالة الرسمية، حظي بدعوة في اللحظة الأخيرة من باب رفع العتب. رغم الجهد المبذول لعدم تمرير مناسبة مماثلة من دون احتفال، يبدو أنّ مديرة الوكالة نسيت تفصيلاً: تكريم العاملين فيها.مع الاحتفال بمرور 50 عاماً على تأسيس الوكالة في 7 تموز (يوليو) 1961، تُطرح أسئلة كثيرة كانت تتردّد في ذهن العاملين فيها... أبرزها أنّ 350 صحافياً غير مثبّتين بعد في ملاك الدولة، ولا يتمتعون بأية ضمانات، لناحية تعويضات نهاية الخدمة أو رواتب التقاعد. ومن بين هؤلاء من أمضى سنوات الحرب في الميدان بحثاً عن الخبر. السؤال الأكبر الذي يردّده صحافيّو الوكالة في الكواليس: ما فائدة تخصيص مبلغ من المال لتأليف نشيد للوكالة (كتبه سمير نخلة، ولحنه رواد رعد، ووزعه جو بارودجيان)، وبعض مكاتب العاملين لا تحتوي على هاتف ولا محطات فضائية؟
«تشكّلت لجنة لتسوية أوضاع العاملين في الوكالة، وقررنا البدء بتفعيلها بعد الانتهاء من احتفالات اليوبيل»، تؤكّد لور سليمان. تقول المديرة التي تسلّمت مهماتها عام 2008: «ليست هناك ميزانية لتطوير الوكالة». وعندما تسألها عن كلفة الاحتفالات باليوبيل، تردّ: «100 ألف دولار، حصلنا عليها كهبة من مصرف لبنان». لكن، ألم يكن ممكناً صرفها على تجهيز الوكالة؟ يبدو أنّ السيدة المديرة ضاعت في ترتيب الأولويات. مع ذلك، تبدو طموحات المديرة عالية: «سنعمل على وضع خدمة لبثّ الفيديو على موقع الوكالة، وزيادة خدمات اللغات بعد الإنكليزية والفرنسية».
تعيش «الوكالة الوطنية للإعلام» إذاً تحديات كبيرة من الناحية اللوجستية والتقنية والإدارية. «أبرزها تنفيذ المشروع القديم الجديد في تحويلها إلى هيئة أو مؤسسة عامة مستقلّة»، تقول سليمان. هذه الخطوة قد «تحرر الوكالة من الروتين الإداري، وتعطيها هامشاً أكبر من المبادرة»، بحسب الإعلامي رفيق شلالا الذي أدار الوكالة بين 1983 و1999. جعل الوكالة مؤسسة عامة مستقلة، قد يزيد من إيراداتها مثلاً. «حين يتعطّل موقع الوكالة، تنهال علينا الاتصالات القلقة من الوسائل الإعلاميّة»، يؤكد مدير المندوبين في الوكالة وسام عبد الله. هذا يعني أنّ زبائن الاشتراكات المفترضة موجودون، وخصوصاً أنّ النبرة المحايدة لخبر الوكالة تجعلها مصدراً أساسياً لوسائل الإعلام المحليّة، علماً بأنّ محرري الوكالة يقيسون معيار الحياد بالسطور: «10 أسطر لـ«14 آذار»، تعني عشرة لـ«8 آذار» وبالعكس»، يسرّ إلينا أحدهم بنبرة ساخرة. ومنذ فترة، ازداد التململ بين أوساط بعض الموظفين الذين اتهموا سليمان بالانحياز لفريق 14 آذار في تغطية الوكالة، وتوظيف العاملين المحسوبين على ذلك الفريق.
حين تأسست الوكالة عام 1961 ضمن مشروع هيكلة المؤسسات في عهد فؤاد شهاب، كان الهدف جعلها ذراع بروباغندا لنقل أخبار رئاسة الجمهورية. لاحقاً، تغيّرت مهماتها، ولم تعد حكراً على نقل أخبار الرسميين. اليوم، قد تكون الوكالة الوسيلة الوحيدة التي ينتشر مندوبوها على كل الأراضي اللبنانية. يتذكر رفيق شلالا أنّه بعد إطلاق موقع الوكالة عام 1996، فوجئ بأن معظم زوّاره من «إسرائيل»!... هذا الدور المفصلي للوكالة، يفترض باحتفالات اليوبيل الذهبي ألا تكون مجرّد فقاعة إعلامية، بل مناسبة لمراجعات أكثر جديّة.



لور والأرشيف

رغم السجال الدائر حول احتفالات اليوبيل الذهبي، تفتخر مديرة «الوكالة الوطنية للإعلام» لور سليمان بتحقيق إنجاز مهم، على صعيد كشف النقاب عن أرشيف الوكالة. عثرت سليمان في إحدى غرف مبنى وزارة الإعلام على صور يعود تاريخها إلى عام 1961 وما تلاه، ويفوق عددها مليوني صورة. هذا الكمّ الهائل من الصور التي تختصر خمسين عاماً من تاريخ لبنان، كان مرميّاً في غرفة يتآكلها العفن. خصص جزء كبير من ميزانية الاحتفالات باليوبيل لإعادة تظهير حوالى ألفي صورة، صدرت في كتاب وزّع أمس خلال العشاء التكريمي، علماً بأنّ سليمان أول امرأة تتولى إدارة الوكالة الرسمية، بعد ثمانية رجال تعاقبوا على ذلك طوال نصف قرن.