تونس | قد يكون الإعلام التونسي القطاع الوحيد الذي لم تهبّ عليه رياح الحرية التي عصفت بتونس بعد إطاحة زين العابدين بن علي. لقد ظل هذا الإعلام حتى اليوم يراوح مكانه، والقوى التي كانت تدافع عن سياسات النظام السابق قبل يوم 14 كانون الثاني (يناير)، ما زالت تحافظ على مواقعها وتسعى جاهدة إلى وأد محاولات تحرير الإعلام التونسي. ولا يقتصر الأمر على تعطيل عملية إصلاح هذا القطاع، بل يتخطاه إلى العمل على إقفال بعض المؤسسات الإعلامية بدلاً من العمل على تطويرها وتحسين أدائها. وهو ما يضع مصير العشرات من الصحافيين على المحك ويلقي بهم في صفوف البطالة القسرية.
بعد غلق صحيفتي «الحرية» و«لورونوفو» إثر حلّ الحزب الحاكم السابق أي «التجمع الدستوري الديموقراطي» الذي كان يصدر الصحيفتين، وصرف العاملين فيهما، قررت الحكومة التونسية تحويل جريدة «الصحافة» الناطقة باسمها من دورية يومية إلى أسبوعية. وقد أصدر المدير العام للجريدة حميدة بن رمضان قراراً بإصدار الصحيفة مرةً في الأسبوع بداية من يوم 29 أيار (مايو) الجاري. وهو الأمر الذي أثار سخط الصحافيين العاملين فيها ويبلغ عددهم نحو 66. وقد دخل هؤلاء في اعتصام مفتوح في مقر عملهم لإعلان رفضهم هذا القرار. الاعتصام الذي مر عليه أسبوع، شهد مشادات بين الصحافيين الغاضبين ومدير «الصحافة»، لكن سرعان ما جرت تهدئة الأمور.
أحد الصحافيين قال إنّ حميدة بن رمضان اصطحب مجموعة من العاملين في المطبعة التابعة لـ«الصحافة» إلى مقر الصحيفة وأعلمهم بالقرار على أساس أن المؤسسة الإعلامية تعاني عجزاً مالياً وتراجعاً حادّاً في المبيعات. والمعلوم أنّ الصحيفة بطبيعتها لم تكن مقروءة في عهد بن علي، لأنّها كانت لا تنشر سوى الأخبار الحكومية بنحو جاف بعيد عن المهنية. ومضمونها الإخباري يحوم في غالب الأحيان حول زيارات الرئيس المخلوع وإنجازاته و«المكاسب» و«الإنجازات» التي تدعي حكومته بأنها حققتها. ولا يُعرف عن «الصحافة» بأنّها فتحت ملفاً مهماً أو تطرقت لموضوع مثير.
الصحافيون المعتصمون تحدثوا عن تطور في أداء صحيفتهم بعد الثورة، مضيفين أنّ خطها التحريري أصبح يواكب تطورات الوضع في تونس التي تشهد جدالاً ونقاشات حول العديد من المواضيع الساخنة. وأكدوا أنهم مصرّون على مواصلة إصدار الصحيفة بالوتيرة نفسها، وطرحوا شعار «ارحل» ضد مدير مؤسستهم. كذلك طالبوا بتكليف مكتب دراسات مختص بإعداد دراسة حول وضع المؤسسة التي تصدر جريدتي «لابريس» (الناطقة بالفرنسية) و«الصحافة» لتحديد مواطن الخلل فيها وتقديم تصور واضح ومدروس حول سبل النهوض بها. وإلى أن تنصت الحكومة إلى مطالبهم، يبدو أن صحافيي «الصحافة» لن يغادروا مقرّ صحيفتهم.