لم يكن يوم الجمعة الأخير في نيسان حكراً على الاحتجاجات الشعبية المتنقلة بين سوريا واليمن وليبيا. فقد نجح الأمير البريطاني ويليام في احتكار جزء من التغطية الإعلامية العربية أمس. بين تغطية زفاف القرن، ومتابعة آخر تطورات الثورة، تاهت الفضائيات العربيّة. السؤال الأهم أمس كان: أيّهما أهم للمشاهد العربي: زفاف الأمير ويليام وكيت أم الاحتجاجات الشعبية؟
لا حاجة إلى النقاش في أمر كهذا بالنسبة إلى «الجزيرة». بقيت القناة القطرية وفيّة لتغطيتها المباشرة لـ«جمعة الغضب» في سوريا واليمن وليبيا. أمّا «العربية» ومجموعة «أم. بي. سي» عموماً، فقد ارتأت منافسة «بي. بي. سي.» إلى درجة بدت ملكية أكثر من الملك.
لم تحرك مجموعة القنوات السعودية لحظة شاشاتها عن كاتدرائية ويستمنستر وقصر باكنغهام. واكبت الكاميرا صور زفاف دوق ودوقة كامبريدج، كما صار اسماهما بعد الزفاف التاريخي (الدوق أرفع لقب في بريطانيا بعد الملك). عكس الاهتمام الكبير بالحدث وفاء البريطانيين لتقاليدهم الملكية العريقة، تلك التي تملك ولا تحكم. وانسحبت أعراض الهستيريا على المراسلين العرب. مراسلة «العربية» المبهورة بمراسم الزواج، أكّدت أكثر من مرة أن مسحة الحزن لم تفارق وجه الأمير الذي قرر أن يتزوج في الكنيسة نفسها التي شهدت مراسم تشييع والدته الأميرة ديانا. وحرصت «العربية» على تذكير مشاهديها بين الفينة والأخرى بأنّ الزفاف حدث تاريخي لأنه يستقطب أكثر من ملياري مشاهد عالمياً، العرب هم بالطبع جزء منهم. كأنها تحاول تبرير خيارها التحريري في وضع الحفلة الملكية خبراً رئيسياً في شريطها الإخباري. وراحت القناة تبثّ تغطية مباشرة وموحدة مع «أم. بي. سي. 4» بينما انتظرت إدارة «أم. بي. سي. 1» انتهاء صلاة الجمعة من مكة، لتنضم إليهما. وفيما نقلت «أم. بي. سي 4» صورة ويليام وهو يقبّل كيت أكثر من مرة، تعرّض المشهد الرومانسي لمقصّ الرقيب في «العربية»! تغطية مجموعة «أم. بي. سي» بدت متنوعة وثرية بالمعلومات، ما جعلها تضفي لمسة، ولو عابرة، من الفرح على شاشات طغى عليها الحزن، وسكنتها صور القتلى والجرحى والتعذيب، منذ انطلاق الثورات الشعبية العربية قبل ثلاثة أشهر.
الصحافي الجزائري حسن زيتوني العائد للتوّ من معتقلات القذافي في طرابلس، اختير لإدارة جلسة نقاشية عن زفاف القرن. هكذا صال وجال في الثناء على جمال لايدي كيت، وسحر ابتسامتها، وقصة الحب التي جمعت الزوجين، وأهمية قضاء شهر العسل في الأردن. وعرّج في حديثه على ذكريات طفولة الدوقة الشابة في عمان، حين كان والداها يعملان في «الخطوط الجوية البريطانية». إعجاب المذيع بويليام جعله يجزم بأن «زواج الأمير سيكون ناجحاً، لأنه عاش تجربة طلاق والديه»، فيما لم تتوان زميلته علا في الإفصاح عن حلم يسكنها: ارتداء ثوب أبيض كالذي لبسته الأميرة المتوّجة كيت.
واستمر بثّ مراسيم الزفاف وصولاً إلى الكنيسة، من دون أن تجد «العربية» أو «أم. بي. سي» أو حتى «بي. بي. سي» حاجة إلى ترجمة ما كان يقوله القسّ للزوجين. وحين اضطرت إلى نقل وقائع الاحتجاجات في بنغازي، ارتأت «العربية» أن تحافظ على جزء من الشاشة للاستمرار بنقل وقائع حفل الزفاف التاريخي. وعلى وقع أصوات إطلاق النار الآتية من المدينة الليبية، أصرّ المذيع على تذكيرنا بأنّ قرابة ملياري شخص في العالم يتابعون الزواج في بثّ حيّ.
أربع ساعات متواصلة من البث المباشر، منحتها القنوات العربية أمس للعرس البريطاني، منها «دبي وان» التي حازت حقوق البث من «بي. بي. سي»، إضافةً إلى «الفضائية اللبنانية lbc» التي نقلت المراسم كاملةً.
لكنّ «الجزيرة» أصرّت على أن تكون الاستثناء. وجدت القناة القطرية أنّ ما يحدث في دول عربية من احتجاجات أهم بكثير من أفراح العائلة المالكة في بريطانيا. وبينما كانت كاميرات «العربية» تجول في ساحات لندن، واصلت «الجزيرة» بثّها للصور الآتية من بنغازي وصنعاء ودمشق وحلب.
إسماعيل...