في رواياتها الجديدة «الملهمات» (المركز الثقافي العربي) تحكي فاتحة مرشيد قصصاً متقاطعة، عن ناشر دخل غيبوبة بعد حادث سير مع عشيقته. تدّعي زوجته أن عشيقته صديقتها. أما رفيق دربه الكاتب إدريس، فيجد في هذا الوقوف على حافة الموت دافعاً لـ«الاعتراف» بحكاياته كاتباً وإنساناً. ولأنّه يؤمن بأن المرأة هي المحرّك الأساسي لإبداعه وكل أعماله القصصية والروائية، يستعيد قصص نسائه.في الصفحات الأولى من رواية الكاتبة المغربية، نسمع البطل إدريس يقول: «أنا صنيع كل النساء اللواتي عبرن حياتي، بدءاً من التي منحتني الحياة، إلى التي أيقظت الرجل بداخلي، وفتحت لي باب الإبداع على مصراعيه، وجعلت قلمي يتألق، وكانت ورقة مبسوطة تحت يدي. فكل كتاب عندي مقرون بامرأة، وكل فرحة عندي مقرونة بامرأة، وكل انكسار كذلك». وكما في كل الروايات، يكون البطل الروائي رجلاً، يراكم انتصارات وهمية على أسرة النساء ويكتب. يكتب لينتصر على المرأة التي كانت دوماً مدخل الكتابة عنده... ولـ«ينتقم» من الأم المثليّة التي مارست الجنس مع حبيبتها في الليلة الأولى بعد وفاة والده...
في «الملهمات» أيضاً، تجلس أمينة أمام سرير زوجها عمر الغارق في غيبوبة. تحكي له قصتهما، متمردة على دور الزوجة الصامتة. قصة خياناته لها، وقصتها هي المرأة المجروحة التي فقدت حب زوجها تدريجاً قبل أن تنتقم لأنوثتها بعلاقة حب مع مصور فلسطيني. كلّ حدث في رواية مرشيد، ذريعة للحكي واسترجاع الذاكرة. كل بطل من أبطال الرواية ينتظر شيئاً ليتذكر. بالنسبة إلى أمينة زوجة عمر الناشر الشهير، كان حادث السير الذي تعرّض له السبب الوحيد لجعلها تخرج عن الصمت. كل ما حدث في «الملهمات» ليس إلا محركاً لاستعادة الذكريات القديمة والخروج بها من دائرة الصمت. في الرواية أيضاً تلك الرغبة في استكشاف دوافع الكتابة. إدريس مثلاً كتب كلّ قصصه ورواياته بـ«قلمين»، ويقصد بذلك تلك العلاقة بين الحب/ الجنس والإبداع. يهناء، زوجته الأولى التي كانت أول «ربة شعر» دفعته إلى كتابة القصص... ثم عبرت نساء أخريات ضمنهن الممثلة، وطالبته الانتهازية في الجامعة، والمغنية الجميلة ذات الرغبات الانتحارية، والخادمة الأمازيغية، والفنانة التشكيلية الألمانية التي تعلمه أن النساء أيضاً يبدعن بعد ممارسة الحب... على طريقتهن. ولفهم دوافع الكتابة، تستحضر مرشيد في «الملهمات» استشهادات لروائيين وشعراء عالميين، منهم أوسكار وايلد، وأندري بروتون، وماكسيم غوركي، وإدغار آلان بو، وبول إيلوار... يشرح إدريس العمليّة المعقدة للإبداع، وعلاقة الكاتب بقرائه، ومن ضمنهم النساء اللواتي كانت كلماته إغراءً لهن. رغم أنّ الشخصيات تتعرّى، إلا أنّها تظلّ بعيدة عن القارئ، وتأخذ طابعاً محايداً. كأنّها تعيش زمن البطء. هناك الكثير من اللقاءات النسائية بين أمينة وصديقتها الصحافية، وثرثراتهما المطولة عن الحب والجنس وتحرر المرأة. شخصيات الرواية غير متوترة، كأنّها تعيش هدوء لحظة الاعتراف أمام قس. لكنّها ليست نادمة على كل الخيانات الصغيرة، والكذب، والخوف من الآخر، وأوهام الحب. لكل شخصية من شخصيات «الملهمات» أسلوبها في الحكي وقضيتها الشخصية. لكنّ أمينة وإدريس وجهان لشخص واحد، واقف أمام الخسارة...