تونس | توجت الدورة السادسة والعشرين من «أيام قرطاج السينمائية» التي اختتمت أول من أمس الشريط المغربي «جوق العميين» (جوقة العميان ـــ الأخبار 8/6/2015) لمحمد مفتكر بـ «التانيت الذهبي». أما التانيت الفضي، فمنحته لجنة التحكيم التي ترأسها المغربي نورالدين الصايل الى فيلم «نهر بلا نهاية» لأوليفي هرمانيس من جنوب أفريقيا، فيما حازت ليلى بوزيد (كريمة المخرج النوري بوزيد) على التانيت البرونزي عن فيلمها الطويل الأول «على حلٰة عيني».
تلك كانت الدورة الأولى في الصيغة الجديدة للمهرجان (صار يقام كل عام بعدما كان مرة كل عامين) ستبقى في ذاكرة التونسيين كجرح لن ينسى بسهولة. فقد شهدت العاصمة على بعد أمتار من شارع الحبيب بورقيبة الذي يحتضن فعاليات المهرجان عملية ارهابية ذهب ضحيتها ١٢ شهيداً و20 جريحاً من جهاز الأمن الرئاسي. ومع ذلك، استمرالمهرجان وأظهر التونسيون تعلقاً بالحياة وتحدياً للإرهاب، ولم تلغَ أي فقرة من فقرات البرنامج. وشهد الأخير إقبالاً منقطع النظير من الجمهور المتعطش للسينما في بلاد تشهد انقراضاً متنامياً للصالات السينمائية (١٣ قاعة فقط في كامل الجمهورية).
إذا كان لا بد من شعار نطلقه على هذه الدورة التي أدارها السينمائي ابراهيم لطيف، فهو بلا شك «السينما والإرهاب». هذه الدورة كانت بمثابة التطبيق العملي للشعار الشهير «لأننا نحب الحياة نذهب الى السينما».
لم ينل «الزين اللي فيك» لنبيل عيوش اهتماماً كبيراً رغم الإقبال الاستثنائي عليه
تونسيون من مختلف الأجيال والمناطق عاشوا على إيقاع الفن السابع من ٢٣ الى ٢٨ تشرين الثاني (نوفممبر) وشاهدوا أكثر من ٧٠٠ فيلم من مختلف القارات والتجارب. وكان نصيب السينما التونسية منها ٥٤ فيلماً بين تسجيلي وروائي قصير وطويل.
غيّر المهرجان المدينة وشارعها الشهير بأحداث «الثورة» التي أسقطت النظام السابق، وبباعة الورد أو شانزليزيه العالم العربي كما يحب بعض التونسيين وصفه. شهد المهرجان حراسة أمنية غير مسبوقة واجراءات استثنائية خوفاً من الإرهابيين الذين أعلنوا الحرب على الدولة والمجتمع، بخاصة الفنانين الذين يقودون المعركة ضد «وزراء الله» من المبشرين بالقتل والدمار.
وعلى عكس التوقعات، لم ينل الشريط المغربي «الزين اللي فيك» لنبيل عيوش الحائز جائزة لجنة التحكيم اهتماماً كبيراً رغم الإقبال الاستثنائي الذي حققه. الشريط الممنوع في المغرب الذي تعرضت بطلته لبنى أبيضار لاعتداء من المتشددين (الأخبار 9/11/2015) لم يكن في مستوى توقعات الجمهور. هذا على عكس الشريط الفائز بالتانيت الذهبي «جوق العميين» الذي اعتبر واحداً من أهم الأعمال التي عرضت في مسيرة المهرجان.
ورغم أنه لم يحصل على أي جائزة، فقد كان الشريط التونسي والروائي الأول لفارس نعناع «شبابيك الجنة» لافتاً للاهتمام، بخاصة الممثل لطفي العبدلي. وكانت تونس حاضرة بعملين آخرين هما «قصر الدهشة» لمختار العجيمي و«عزيز روحو» لسنية الشامخي في حين اختار الفاضل الجزيري المسرحي أساساً وصاحب الفيلم الشهير «ثلاثون» عرض عمله الجديد «خسوف» خارج المسابقة الرسمية... الشريط الذي فقد فيه أثناء التصوير نجله ومساعده في الإخراج علي الجزيري. مثّل هذا الفيلم الذي سيعرض تجارياً في بداية العام المقبل، شهادة سينمائية عن تونس الجديدة التي تحكمها المافيا بعدما تحولت الى عاصمة لتبييض الأموال وتصدير الإرهابيين وفق تقارير المنظمات الدولية.
هذه الدورة استحدثت جوائز أخرى موازية، إضافة الى الجائزة التقليدية لـ «الاتحاد العام التونسي للشغل» التي منحت لأفضل ديكور في شريط «على حلة عيني» لليلى بوزيد التي حازت جوائز أخرى موازية مثل جائزة «لجنة الاتحاد الدولي للنقاد السينمائيين». وكان احتفال الختام قدّمه النجم المصري باسم يوسف بأسلوبه الساخر الذي رقص على إيقاعات الموسيقى الأفريقية مع السينغالي إسماعيلو.
واعتبر ابراهيم لطيف مدير الدورة في تصريح للصحافيين إن الدورة حقّقت نجاحاً مهماً بخاصة مع إصرار الضيوف العرب والأفارقة على التمسك بمواصلة الدورة رغم الجريمة الإرهابية. كما لم يتراجع إقبال الجمهور الذي بلغ حسب التذاكر حوالى ٢٠٠ ألف وهو رقم قياسي في تاريخ المهرجان.